بعد أن أثبتنا فيما سلف صحة الأحاديث في تحريم الآلات وبينا دلالتها على التحريم يحسن بنا أن نتبع ذلك ببيان موقف العلماء والفقهاء من حيث تبنيها والعمل بها ليكون الطالب على معرفة من الناحية الفقهية أيضا ويزداد بذلك علما بانحراف الغزالي في تأليفه السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث - ومن سار سيره - عن الفقه وعلمائه كما هو منحرف عن السنة وعلمائها فقد وصفهم جميعا - بجهل بالغ بالوعاظ ص ٧٤، لتحريمهم الغناء -.
قال الإمام الشوكاني في «نيل الأوطار ٨/ ٨٣»، ما ملخصه: وقد اختلف في الغناء مع آلة من آلات الملاهي وبدونها فذهب الجمهور إلى التحريم مستدلين بما سلف يعني من الأحاديث وذهب أهل المدينة ومن وافقهم من علماء الظاهر والصوفية إلى الترخيص في السماع ولو مع العود واليراع.
ثم نقل عن بعضهم أنه حكى أقوالا عن بعض السلف بالإباحة وتوسع في ذلك توسعا لا فائدة منه لأنها أقوال غالبها معلقة لا سنام لها ولا خطام وبعضها قد صح عن بعضهم خلافه وبعضها مشكوك في لفظه كما يأتي تحقيقه.
ولكن قبل ذلك أريد أن أنبه على أمرين:
الأول: أن المقصود بالجمهور هنا إنما هم الأئمة الأربعة تبعا للسلف كما فصل القول في ذلك العلامة ابن القيم الجوزية في «إغاثة اللهفان ١/ ٢٢٦ - ٢٣٠»، ولذلك لما نسب ابن المطهر الشيعي إلى أهل السنة إباحة الملاهي والغناء كذبه شيخ الإسلام ابن تيمية في رده عليه في «منهاج السنة فقال ٣/ ٤٣٩»: هذا من الكذب على الأئمة الأربعة فإنهم متفقون على تحريم المعازف التي هي آلات اللهو كالعود ونحوه ولو أتلفها متلف عندهم لم يضمن صورة التالف بل يحرم عندهم اتخاذها.
والأمر الآخر: عزو الشوكاني الترخيص إلى أهل المدينة يوهم بإطلاقه أن منهم مالكا وليس كذلك وإن كان مسبوقا إليه كقول الذهبي في ترجمة يوسف بن يعقوب