لأننا إذا افترضنا مسجداً جماعته -مثلاً- ثلاثمائة شخص تقريباً، إذا أُوحِي إليهم ولُقِّنوا وشُبِّعوا علماً، بأنه هناك جماعة ثانية وثالثة، فستجد مفعول هذا التفقيه مع الزمن يعود عدد الثلاثمائة إلى مائتين إلى أقل، لأنهم يتواكلون على الجماعة الثانية.
وهذا ما كان وقع بنفسي -أنا- حينما كنت مبتدئاً في طلب العلم، وكنت صانعاً مصلحاً للساعات والمسجد بجانبي، فكنت أسمع الأذان فأقول: حتى أنتهي من هذه الساعة أركب هذا العقرب .. أركب كذا وكذا، يصير نقاش في نفسي وينتهي النقاش إلى القول: إذا انتهت الصلاة، ودخلتَ المسجد، وما وجدت أحداً يُصَلِّي فأنت طالب علم .. أنت لم تعجبك نفسك؟ ! أنت صَلِّ بالناس ... وهكذا، فعلاً كنت أسمع الأذان ولا أجيب ولا أبالي بالإجابة، لكني عندما عرفت السُّنة الصحيحة في عهد الرسول عليه السلام وسُنّة السلف الصالح في هذا المجال، كنت -بفضل الله- لا تفوتني صلاة جماعة.
لأن الفكرة التي كانت توحي إليَّ بالتكاسل عن الجماعة الأولى زالت وطاحت وأصبحت هباءً منثوراً، وتقرر في نفسي أنك بين أحد شيئين:
إما أن تصلي مع هذه الجماعة، حتى أولاً: تُسْقِط عن نفسك ما فرض الله عليك في مثل قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}[البقرة: ٤٣].
وإما أن تصلي وحدك فتخسر الفضيلة وتخسر القيام بهذه الفريضة، فلما صح فهمي للموضوع صَحّت عبادتي واستقامت، والحمد لله رب العالمين.
(الهدى والنور / ٨٠/ ١.: ١١: ١.)
[حكم الجماعة الثانية]
مداخلة: ما هو حكم عقد جماعة ثانية بعد الجماعة الأولى؟
الشيخ: هذه المسألة تكلمنا فيها كثيراً .. الذي يتتبع سيرة الرسول -عليه السلام- وسيرة أصحابه الكرام بعد وفاته، يجد أن السلف الصالح لا يَعرف جماعة ثانيةً في المسجد الذي له إمام راتب ومؤذن راتب.