الشيخ: ومن الثابت أيضًا أنه أمر أمرًا مطلقًا بإعفاء اللحية، فقال عليه الصلاة والسلام:«حفوا الشارب وأعفوا اللحى وخالفوا اليهود والنصارى» فاختلف العلماء فيما يتعلق باللحية هل تطلق وتترك على سجيتها وطبيعتها، أم يجوز أخذ شيء منها؟ فالذي نعلمه من أقوال العلماء أن كثيرين منهم إن لم نقل الجمهور يقولون بجواز أخذ ما دون وما تحت القبضة، وآخرون من أهل الحديث يتمسكون بعموم قوله عليه السلام في الحديث السابق:«وأعفوا اللحى» الإعفاء هنا مطلق.
أما أنا شخصيًا فأرى خلاف هذا الرأي، وأنا مع العلماء الكثيرين الذين ذهبوا إلى جواز الأخذ ما طال من اللحية تحت القبضة، وحجتي في هذا ..
مداخلة: من أين جاءت القبضة؟
الشيخ: وحجتي في هذا - ولا توصي حريص كما يقولون عندنا - حجتي في هذا أن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو من رواة الحديث السابق الآمر بإعفاء اللحية، ومع ذلك فقد ثبت عنه في غير ما رواية أنه كان يأخذ ما دون القبضة، سواء ذلك في الحج أو في غيره، كما أنه ثبت في تفسير ابن جرير الطبري عن أبي هريرة وعن ابن عباس وغيرهم من السلف أنهم كانوا يأخذون ما دون القبضة، فمأخذنا هو هذا.
ولا بد من أن نلفت النظر إلى قاعدة فقهية أصولية وهي التي تقول: إن الراوي أدرى بمرويه من غيره، بمعنى: إذا كان راوي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الصحابي، هو سمع الرسول عليه السلام أو رآه لا شك أن هذا الراوي هو أدرى بالحديث ممن جاء بعده ممن لم يسمع قوله عليه السلام مباشرة أو لم ير فعله، من هنا جاءت القاعدة السابقة: الراوي أدرى بمرويه من غيره، وهذا دليله:«الشاهد يرى ما لا يرى الغائب».