وصلّى - صلى الله عليه وسلم - في مرضِ موته جالساً، وصلاها كذلكَ مرةً أخرى قبل هذه؛ حينَ اشتكى، وصلّى الناسُ وراءَهُ قياماً؛ فأشارَ إليهم أنِ اجْلِسُوا؛ فجلسوا، فلما انصرفَ؛ قال:«إن كِدْتُم آنفاً لتفعلون فِعْلَ فارسَ والروم: يقومون على مُلوكهم وهم قُعود، فلا تفعلوا؛ إنما جُعِلَ الإمامُ ليُؤْتَمَّ به؛ فإذا ركع؛ فاركعوا، وإذا رفع؛ فارفعوا، وإذا صلى جالساً؛ فصلُّوا جلوساً [أجمعون]».
واعلم أَن في هذه الأحاديث دلالة على أن الإمام إذا صلى جالساً لمرض به؛ صلى مَن وراءه جالسين؛ ولو كانوا قادرين على القيام، والدليل على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل اتباع الإمام في الجلوس من طاعة الأئمة الواجبة بكتاب الله تعالى، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «من أطاعني؛ فقد أطاع الله، ومن عصاني؛ فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير؛ فقد أطاعني، ومن عصى الأمير؛ فقد عصاني، إنما الإمام جنة، فإن صلى قاعداً؛ فصلوا قعوداً، وإذا قال: سمع الله لمن حمده؛ فقولوا: اللهم ربنا! ولك الحمد. فإذا وافق قول أهل الأرض قولَ أهل السماء؛ غفر له ما مضى من ذنبه».
قال الترمذي - بعد أن ساق حديث أنس المذكور آنفاً -: «وقد ذهب بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا الحديث؛ منهم: جابر بن عبد الله، وأُسَيد بن حُضير، وأبو هريرة، وغيرهم. وبهذا الحديث يقول أحمد وإسحاق».
قال الحافظ «٢/ ١٤٠»: «وقد قال بقول أحمد جماعة من محدثي الشافعية؛ كابن خزيمة، وابن المنذر، وابن حبان». اهـ.
وقد نقل الزيلعي في «نصب الراية»«٢/ ٤٩» كلام ابن حبان في ذلك، وهاك نصَّه: قال في «صحيحه»: وفي هذا الخبر بيان واضح أن الإمام إذا صلى قاعداً؛ كان على المأمومين أن يصلوا قعوداً. وأفتى به من الصحابة: جابر بن عبد الله، وأبو هريرة، وأسيد بن حضير، وقيس بن قَهْد «بفتح القاف وسكون الهاء». ولم يُروَ عن غيرهم من الصحابة خلاف هذا بإسناد متصل ولا منقطع؛ فكان إجماعاً، والإجماع