عندنا إجماع الصحابة. وقد أفتى به من التابعين جابر بن زيد، ولم يُروَ عن غيرهِ من التابعين خلافه بإسناد صحيح ولا واهٍ؛ فكان إجماعاً من التابعين أيضاً. وأول من أبطل ذلك في الأمة المغيرة بن مِقْسَم، وأخذ عنه حماد بن أبي سليمان، ثم أخذه عن حماد أبو حنيفة، ثم عنه أصحابه. وأعلى حديث احتجوا به حديث رواه جابر الجعفي عن الشعبي: قال عليه الصلاة والسلام: «لا يَؤُمَّنَّ أحد بعدي جالساً».
وهذا لو صح إسناده؛ لكان مرسلاً، والمرسل عندنا وما لم يُروَ سيان، لأنا لو قبلنا إرسال تابعي - وإن كان ثقة -؛ لَلَزِمَنَا قبول مثله عن أتباع التابعين، وإذا قبلنا؛ لَزِمَنَا قبوله من أتباع أتباع التابعين، ويؤدي ذلك إليه أن يقبل من كل أحد إذا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! وفي هذا نقض الشريعة، والعجب أن أبا حنيفة يجرح جابراً الجعفي ويكذبه، ثم لما اضطره الأمر؛ جعل يحتج بحديثه. وذلك كما أخبرنا به.
قلت: فساق إسناده إلى أبي يحيى الحماني: «سمعت أبا حنيفة يقول: ما رأيت فيمن لقيت أفضل من عطاء، ولا لقيت فيمن لقيت أكذب من جابر الجعفي؛ وما أتيته بشيء من رأي قط إلا جاءني فيه بحديث. اهـ. ما في نصب الراية ببعض اختصار».
وحديث جابر هذا أخرجه الإمام محمد في «الموطأ»«١١٣»، واحتج به على نسخ قوله عليه الصلاة والسلام:«إذا صلى الإمام جالساً؛ فصلوا جلوساً أجمعين». وقد علمت ما فيه.
وقد احتجوا بحجة أخرى على النسخ؛ وهي ما تقدم من صلاته في مرض موته بالناس قاعداً وهم قائمون خلفه، ولم يأمرهم بالقعود.
قال الحافظ:«وأنكر أحمد نسخ الأمر المذكور بذلك، وجمع بين الحديثين بتنزيلهما على حالتين: إحداهما: إذا ابتدأ الإمام الراتب الصلاة قاعداً لمرض يرجى برؤه؛ فحينئذٍ يصلون خلفه قعوداً».
ثانيهما: إذا ابتدأ الإمام الراتب قائماً؛ لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قياماً، سواء طرأ ما يقتضي صلاة إمامهم قاعداً أم لا؛ كما في الأحاديث التي في مرض موت