للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[جواز الأكل من مال الغير لضرورة مع وجوب البدل]

عن عمير مولى آبي اللحم قال:

«أقبلت مع سادتي نريد الهجرة، حتى دنونا من المدينة، قال: فدخلوا المدينة وخلفوني في ظهرهم، قال: فأصابني مجاعة شديدة، قال: فمر بي بعض من يخرج من المدينة فقالوا لي: لو دخلت المدينة فأصبت من ثمر حوائطها، فدخلت حائطا فقطعت منه قنوين، فأتاني صاحب الحائط، فأتى بي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبره خبري، وعلي ثوبان، فقال لي: «أيهما أفضل؟ »، فأشرت له إلى أحدهما، فقال: «خذه»، وأعطى صاحب الحائط الآخر وخلى سبيلي».

[قال الإمام]:

فيه دليل على جواز الأكل من مال الغير بغير إذنه عند الضرورة، مع وجوب البدل. أفاده البيهقي. قال الشوكاني «٨/ ١٢٨»: «فيه دليل على تغريم السارق قيمة ما أخذه مما لا يجب فيه الحد، وعلى أن الحاجة لا تبيح الإقدام على مال الغير مع وجود ما يمكن الانتفاع به أو بقيمته، ولو كان مما تدعو حاجة الإنسان إليه، فإنه هنا أخذ أحد ثوبيه ودفعه إلى صاحب النخل». ومن هنا يتبين خطأ الشيخ تقي الدين النبهاني في كتابه «النظام الاقتصادي في الإسلام»، فإنه أباح فيه «ص ٢٠ - ٢١» للفرد إذا تعذر عليه العمل ولم تقم الجماعة الإسلامية بأوده «أن يأخذ ما يقيم به أوده من أي مكان يجده، سواء كان ملك الأفراد أو ملك الدولة، ويكون ملكا حلالا له، ويجوز أن يحصل عليه بالقوة، وإذا أخذ الجائع طعاما يأكله أصبح هذا الطعام ملكا له»! ووجه الخطأ واضح جدا، وذلك من عدة نواح، أهمها معارضته للحديث، فإنه لم يملك الجائع ما أخذه من الطعام ما دام يجد بدله. ومنها أن المحتاج له طرق مشروعة لابد له من سلوكها كالاستقراض دون فائدة، وسؤال الناس ما يغنيه شرعا، ونحو ذلك من الوسائل الممكنة. فما بال الشيخ - عفا الله عنه - صرف النظر عنها، وأباح للفرد أخذ المال بالقوة دون أن يشترط عليه سلوك هذه الطرق المشروعة؟ ! ولست أشك أنه لو انتشر بين الناس رأي الشيخ هذا لأدى

<<  <  ج: ص:  >  >>