لقد تبين لنا من التحقيق السابق أن كل ما روي عن الصحابة في أنهم صلوا التراويح عشرين ركعة لا يثبت منه شيء، فما ادعاه البعض:«إن الصحابة أجمعوا على أن التراويح عشرون ركعة» مما لا يعوَّل عليه لأنه بني على ضعيف وما بني على ضعيف فهو ضعيف، ولذلك جزم العلامة المباركفوري في «التحفة» بـ «أنها دعوى باطلة».
ويؤيده أنها لو كانت صحيحة لم يجز لمن بعدهم أن يخالفوهم، وقد اختلفوا على أقل من هذا العدد وأكثر منه كما يأتي قريبا، وادعاء مثل هذا الإجماع مما يحمل المحققين على أن لا يتسرعوا في قبول كل إجماع يرد ذكره في بعض الكتب، فقد ثبت بالتتبع أنه لا يصح كثير مما يذكر فيها، ومن الأمثلة أيضا على ذلك الإجماع الذي نقله بعضهم في أن الوتر ثلاث ركعات مع أنه ثبت عن غير واحد من الصحابة الإيتار بركعة واحدة فقط كما سيأتي قبيل الفصل السابع ولهذا قال المحقق صديق حسن خان في مقدمة كتابه «السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج»«١/ ٣»:
وقد حصل التساهل البالغ في نقل الإجماعات وصار من لا يجب «كذا الأصل ولعل الصواب: نصيب» له من مذاهب أهل العلم يظن أن ما اتفق عليه أهل مذهبه أو أهل قطره هو إجماع، وهذه مفسدة عظيمة، فيأتي هذا الناقل بمجرد الدعوى بما تعم به البلوى ذاهلا عن لزوم الخطر العظيم على عباد الله تعالى من هذا النقل الذي لم يكن على طريق التثبت والورع، وأما أهل المذاهب الأربعة فقد صاروا يعدون ما اتفق عليه بينهم مجمعا عليه ولا سيما المتأخر عصره منهم كالنووي في شرحه مسلم ومن فعل كفعله، وليس هذا هو الإجماع الذي تكلم العلماء بحجيته، فإن خير القرون [القرن الأول] ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كانوا قبل ظهور المذاهب، ثم كان في عصر كل واحد من الأئمة الأربعة من أكابر أهل العلم الناهضين بالاجتهاد من لا يأتي عليه الحصر، وهكذا جاء بعد عصرهم إلى هذه الغاية وهذا يعرفه كل عارف منصف ولكن الإنصاف عقبة كؤود لا يجوزها إلا من فتح الله