وكذلك كان لا يخصه بالنصف الأخير من رمضان. والحجة في ذلك: أن الأحاديث الواردة فيه مطلقة غير مقيدة - كما رأيت -، ومثلها حديث الحسن بن علي ... رضي الله عنه قال: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمات أقولهن في قنوت الوتر:«اللهم اهدني فيمن هديت ... » الحديث.
وهو صحيح الإسناد - كما يأتي -، وهو مطلق أيضاً؛ ليس فيه شيء من القيود.
وقد اعتضدت هذه المُطْلَقات بأعمال الصحابة؛ فقد روى ابن نصر «١٣١» عن عمر، وعلي، وابن مسعود القنوتَ في الوتر في السَّنَةِ كلها.
قال الترمذي:«وهو قول أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري، وابن المبارك، وإسحاق، وأهل الكوفة».
واعلم أنه إنما قلنا: كان يقنت أحياناً؛ لأننا تتبعنا الأحاديث الواردة في إيتاره - صلى الله عليه وسلم - وهي كثيرة -؛ فوجدنا أكثرها لا تتعرض لذكر القنوت مطلقاً - كأحاديث عائشة، وابن عباس وغيرهما -، ومقتضى الجمع بينها وبين حديث أُبَيّ وما في معناه أن يقال: إنه كان يقنت أحياناً، ويدع أحياناً، إذ لو كان يقنت دائماً؛ لما خفي ذلك على أكثر الصحابة الذين رووا إيتاره - صلى الله عليه وسلم -، وذلك يدل على أن القنوت ليس بالأمر الحتم؛ بل هو سنة، وعليه جمهور العلماء من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، وهو مذهب أبي يوسف، ومحمد؛ خلافاً لأستاذهما أبي حنيفة؛ فإنه قال بوجوبه.
وقد اعترف المحقق ابن الهمام في «فتح القدير»«١/ ٣٠٦ و ٣٥٩ و ٣٦٠» بأن القول بوجوبه ضعيف لا ينهض عليه دليل، «وهذا من إنصافه وعدم تعصبه». فراجع كلامه في ذلك؛ فإنه نفيس. ومثل هذا التصريح لا تكاد تجده في كتب علمائنا.
هذا، وكون قنوت الوتر قبل الركوع هو مذهب الحنفية، وهو الحق الذي لا ريب فيه؛ إذ لم يصح عنه - صلى الله عليه وسلم - خلافه، وهو المروي عن عمر بن الخطاب، وابن مسعود في «قيام الليل»«١٣٣».