وجوب انعكاس أثر الحج على حياة الحجيج وأهمية الابتعاد عن المعاصي فيه (١)
إن كثيرا من الحجاج إذا أحرموا بالحج لا يشعرون أبدا أنهم تلبسوا بعبادة تفرض عليهم الابتعاد عما حرم الله تعالى من المحرمات عليهم خاصة وعلى كل مسلم عامة، وكذا تراهم يحجون ويفرغون منه ولم يتغير شيء من سلوكهم المنحرف قبل الحج، وذلك دليل عملي منهم على أن حجهم ليس كاملا إن لم نقل: ليس مقبولا، ولذلك فإن على كل حاج أن يتذكر هذا وأن يحرص جهد طاقته أن لا يقع فيما حرم الله عليه من الفسق والمعاصي، فإن الله تبارك وتعالى يقول:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[البقرة: ١٩٧].
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» أخرجه الشيخان. والرفث: هو الجماع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:«وليس في المحظورات ما يفسد الحج إلا جنس الرفث فلهذا ميز بينه وبين الفسوق، وأما سائر المحظورات كاللباس والطيب فإنه وإن كان يأثم بها فلا تفسد الحج عند أحد من الأئمة المشهورين» وهو يشير في آخر كلامه إلى أن هناك من العلماء من يقول بفساد الحج بأي معصية يرتكبها الحاج، فمن هؤلاء الإمام ابن حزم رحمه الله فإنه يقول:«وكل من تعمد معصية أي معصية كانت وهو ذاكر لحجه مذ أن يتم طوافه بالبيت للإفاضة ويرمي الجمرة فقد بطل حجه ... » واحتج بالآية السابقة فراجعه في كتابه «المحلى»«٧/ ١٨٦» فإنه مهم. ومما سبق يتبين أن المعصية من الحاج إما أن تفسد عليه حجه على قول ابن حزم، وإما أن يأثم بها، ولكن هذا الإثم ليس كما لو صدر من غير الحاج بل هو أخطر بكثير، فإن من آثاره أن لا يرجع من ذنوبه كما ولدته أمه كما صرح بذلك الحديث
(١) الحواشي كلها للإمام الألباني. وأنبه في هذا الكتاب على أنني بدأت بذكر المسائل الواردة في كتابَي حجة النبي صلى الله عليه وسلم ومناسك الحج والعمرة، بشكل مرتب كما وردت في الكتب حتى لا أقطع ترتيبها وتناسقها، ثم عُدت إلى جمع المسائل المتعلقة بالحج والعمرة من باقي تراث الشيخ. [قيده جامعه].