الشيخ: سأل سائل آنفًا عن مسألة القبض ووضع اليمنى على اليسرى بعد رفع الرأس من الركوع، فذكر قائلًا لي: إنك تقول: بأن هذا الوضع لم يرد عن السلف، فهل ورد السدل عن السلف؟ فقلت: لا، لم يرد هذا ولا هذا، قال: فإذًا: كيف؟
كان انتهى الكلام إلى هنا، لكن كلامه مفهوم، أو مغزاه مفهوم، وهو: كيف تفرق بين القبض فتعتبره بدعة، وبين السدل فتعتبره سنة، فأجبته بأن السؤال خطأ، قال: وكيف؟ قلنا: السدل لا نعتبره سنة بمعنى أننا نتقرب بذلك إلى الله تبارك وتعالى بخلاف الذين يقبضون فإنهم يعتبرون القبض سنًة كما هو شأنه في القيام الأول، فافترق الأمر في وجهة نظرنا عن وجهة نظرهم، هم يتسننون ويتقربون بالقبض، أما نحن لا نتسنن بالسدل وإنما نقول ما يأتي:
الأصل في العبادات كلها أن يأتي في ذلك نص على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك قاصدًا التقرب إلى الله تبارك وتعالى، فلو أنه فعل فعلًا ما، ولم يظهر في هذا الفعل منه عليه السلام قصد التقرب إلى الله فلا يكون ذلك قربةً تقربنا نحن إلى الله زلفا، بل لا يجوز نحن أن نزيد على فعله عليه السلام نيًة لم ينويها هو في فعله هذا.
ومن هذا الباب يأتي تفصيل القول بين السنن التعبدية والسنن العادية، فالسنن التعبدية هي التي فعلها عليه السلام بقصد العبادة فيسن في المسلم أن يفعل ذلك بنية العبادة، والسنة العادية هي التي لم ينوي فيها عبادًة إنما فعلها عادًة أو فعلها جبلًة، فكل من الأمرين فعله جائز مع فارق كبير: أن السنة التعبدية إذا نوى فيها التقرب إلى الله أثيب، أما السنة العادية فلا يجوز له أن يتقرب بها إلى الله؛ لأنه في هذه الحالة يخالف النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس في مظهر فعله، وإنما في مقصد نيته، ولا شك أن الأمر كما جاء في قوله عليه السلام:«إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» فإذا افترضنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل فعلًا بنيًة ما ففعل المسلم الفعل نفسه ولكن بنية مغايرة لنية النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبداهًة أنه لا يكون مقتديًا به بل يكون مخالفًا له في الباطن