للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس في الظاهر، والعبرة دائمًا في الباطن الذي هو موضع النية.

ونضرب على ذلك مثلين اثنين: أحدهما: تمثيلي وتقريبي، والآخر: فعلي واقعي، أما المثل التقريبي: هو أن رجلًا صلى سنة من السنن ولنفترض سنة الفجر، صلاها ركعتين كما كان رسول الله يصليهما، ومن دقته في اتباعه في الشكل والصورة أنه قرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: ١] وفي الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] لكنه نوى أن هاتين الركعتين فرض، فهل يكون متبعًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -؟ الجواب: لا؛ لأنه خالفه في القصد وفي النية.

وقلت: إن هذا المثل تمثيل، هو تمثيل ليس واقعًا بالنسبة لجماهير المسلمين، ولكن مع الأسف الشديد قد وقع فيه بعض الفرق الضالة التي انحرفت عن دائرة الإسلام، وانطلقت منه بعيدًا بسبب كثير من عقائدها المكفرة ألا وهي الفرقة القاديانية، وأظنكم أنكم تعلمون أن من ضلال هذه الفرقة أنه تعتقد بجواز مجيء أنبياء بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه بالفعل جاء أحدهم وهو: ميرزا غلام أحمد القادياني، يؤمنون به أنه نبي مرسل من ربه، وأن المسلم الذي لا يؤمن بهذا النبي فهو كافر.

من عقائد هؤلاء أن ركعتي الفجر واجبة، فإذًا: من صلى هاتين الركعتين في الصورة كما صلاها الرسول بنية أخرى فبداهة أنه لم يقتدي بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.

نأتي إلى مثال واقعي: ما يقع من كثير من الناس الطيبين والحريصين على الاقتداء بالنبي الكريم، فبعضهم مثلًا يطيل ويوفر شعر رأسه، رأينا هذا نحن في بعض البلاد السورية من يفعل ذلك، ربما في غيرها، ويقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك، ولا نذهب بكم بعيدًا.

فالأقرب مثالًا العمامة: العمامة لا شك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تعمم، فهل هذه العمامة من سنن العادة أم من هي من سنن العبادة؟ إذا نظرنا إلى الفعل مجردًا عن نية أو قصد قلنا: إنها من سنن العادة؛ لأنه كما جاء في بعض الآثار: العمائم تيجان العرب، فالعمامة لم يأت بها الرسول عليه السلام وإنما هي من عادات العرب، ومن متطلبات بيئتهم وإقليمهم الذي يغلب عليه تارًة الحرارة وتارة البرودة، فهم يستعلمون في

<<  <  ج: ص:  >  >>