للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النهي عن القراءة خلف الإمام]

ثم نهاهم - صلى الله عليه وسلم - عن القراءة كلها في الجهرية، وذلك حينما «انصرف من صلاةٍ جهرَ فيها بالقراءة «وفي رواية: أنها صلاة الصبح»، فقال: «هل قرأ معي منكم أحد آنفاً؟ ! ».

فقال رجل: نعم؛ أنا يا رسول الله! فقال: «إني أقول: ما لي أُنازَع؟ ! ».

[قال أبو هريرة: ] فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما جهر فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، [وقرؤوا في أنفسهم سرّاً فيما لا يجهر فيه الإمام].

قوله: «أُنازع»: قال الخطابي: «معناه: أُدَاخَلُ في القراءة وأُغَالَبُ عليها. وقد تكون المنازعة بمعنى المشاركة والمناوبة؛ ومنه منازعة الناس في النِّدام».

قلت: والأنسب في هذا المقام: المعنى الآخر، وهو المشاركة؛ بدليل انتهائهم عن القراءة. ولو كانوا فهموا أنه المعنى الأول؛ لانتهوا عن المداخلة فقط.

احتج بالحديث من ذهب إلى منع القراءة وراء الإمام في الجهرية، وهم جمهور العلماء؛ كالأئمة الثلاثة، وغيرهم - كما سبق -، وهو اختيار أكثر أصحاب الحديث؛ كما قال الترمذي، لكن ذكر هو والبيهقي وغيرهما أن الحديث لا يدل على ذلك؛ لأن أبا هريرة الذي روى هذا الحديث قد صح عنه أنه سئل في قراءة {الفَاتِحَة} وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك.

أخرجه مسلم «٢/ ٩ - ١٠»، وغيره. فلو كان الحديث ثابتاً، أو كان دالاً على المنع؛ لما أفتى بخلاف ذلك.

قلت: لو كانت هذه الحجة صحيحة؛ للزم منها رد كثير من السنن الصحيحة، ولكان أول من يخالفها هم الذين أوردوها في هذا المكان، كما لا يخفى على البصير بطرق الاستدلال عند العلماء على اختلافهم. وإليك مثالاً على ذلك: فقد صح عنه

<<  <  ج: ص:  >  >>