عن أبي هريرة: أن خولة بنت يسار أتت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول الله! إنه ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه، فكيف أصنع؟ قال:«إذا طهرت فاغسليه، ثم صلي فيه»، فقالت: فإن لم يخرج الدم؟ قال:«يكفيك الماء ولا يضرك أثره».
«إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء «وفي رواية: ثم اقرصيه بماء ثم انضحي في سائره» ثم لتصلي فيه».
[قال الإمام]:
يستفاد من هذه الأحاديث أحكام كثيرة منها:
أن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره من المائعات، لأن جميع النجاسات بمثابة دم الحيض، ولا فرق بينه وبينها اتفاقا. وهو مذهب الجمهور، وذهب أبو حنيفة إلى أنه يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر. قال الشوكاني «١/ ٣٥»: «والحق أن الماء أصل في التطهير لوصفه بذلك كتابا وسنة وصفا مطلقا غير مقيد، لكن القول بتعينه وعدم إجزاء غيره يرده حديث مسح النعل وفرك المني، وإماطته بإذخرة، وأمثال ذلك كثير، فالإنصاف أن يقال أنه يطهر كل فرد من أفراد النجاسات المنصوص على تطهيرها بما اشتمل عليه النص، لكنه إن كان ذلك الفرد المحال عليه هو الماء فلا يجوز العدول إلى غيره للمزية التي اختص بها وعدم مساواة غيره له فيها، وإن كان ذلك الفرد غير الماء جاز العدول عنه إلى الماء لذلك، وإن وجد فرد من أفراد النجاسة لم يقع من الشارع الإحالة في تطهيره على فرد من أفراد المطهرات بل مجرد الأمر بمطلق التطهير فالاقتصار على الماء هو اللازم لحصول الامتثال به بالقطع، وغيره مشكوك فيه. وهذه طريقة متوسطة بين القولين لا محيص عن سلوكها».
قلت: وهذا هو التحقيق فشد عليه بالنواجذ. ومما يدل على أن غير الماء لا يجزئ في دم الحيض قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الثاني:«يكفيك الماء» فإن مفهومه أن غير