فأقول: وكذلك شأن سائر الأمة، ومنهم الذين خالفوه: الأوزاعي والشافعي وأبو يوسف. فهل خالفوه «من غير دليل واضح»؟ ! أم الأدلة متناقضة؟ كلا، لا هذا ولا هذا. وإنما هو الصواب وخطأ، ولذلك قال الله تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ}، فالتعصب لإمام منهم معناه الرضا بالتنازع والعياذ بالله. الثاني: التزام القول بثبوت الحديث يعني القول بإباحة الربا في دار الحرب سواء كان الربا لصالح المسلم، أو لصالح الحربي، وهذا ينافي تعليلهم الإباحة بأن مال الحربي مباح، وهم لا يقولون بذلك، ولهذا قال ابن الهمام في «فتح القدير»«٦/ ١٧٨»: «وقد التزم الأصحاب في الدرس أن مرادهم من حل الربا والقمار ما إذا حصلت الزيادة للمسلم نظراً إلى العلة، وإن كان إطلاق الجواب خلافه. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب».
قلت: وبهذا يظهر تناقضهم، فإنهم إن أصروا على تصحيح الحديث، بطل تعليلهم، ووجب عليهم الأخذ بعمومه، وهنا تتجلى المخالفة التي من أجلها رفض الحديث الأئمة الثلاثة، وإن ظلوا متمسكين بالتعليل، لم يستفيدوا من الحديث شيئاً، لأن التعليل أغناهم عن دلالته التي قيدوه به! وإن من العجيب أيضاً أن ابن الهمام قرن مع الربا «القمار»، وهذا لا يمكن أن يضمن كونه في صالح المسلم - كما هو ظاهر -، وهذا في الواقع ممن يشعر أنهم يقولون بعموم الحديث. ولعل هذا من أسباب إقبال كثير من أغنياء المسلمين ودولهم على إيداع أموالهم في بنوك الحربيين. والله المستعان.
السلسلة الضعيفة (١٤/ ١/ ٧٩ - ٨١)
[الرد على من جوز للمقرض أن يأخذ فائدة مسماة كل شهر أو كل سنة من المستقرض إلى أن يوفي إليه دينه]
[تكلم الإمام على كتاب لأحد مشايخ شمال سوريا اسمه «تعاليم الإسلام» وعلى ما فيه من غرائب وآراء باطلة وذكر من ذلك مثالين ثم قال]: