السبب الأول: أن المئذنة في الأصل ليس لها أصل، وقلنا بجواز اتخاذها يومئذ؛ لأنها تحقق مصلحة مرسلة، الآن مكبر الصوت يحقق مصلحة مرسلة فما يجوز بناء مئذنة، وبخاصة على الطرق التي اتبع في كثير من المساجد حيث يباهى بها بطريقة بنائها ورفع بنيانها ونحو ذلك، مما لا يخلو من الإسراف والتبذير وإضاعة المال، وبخاصة إذا كانت هذه الأموال هي أموال وقف أو ناس تبرعوا على أساس أنه يراد أن يبنى بهذه الأموال مسجد، وفي ذلك فضلًا معروف في بعض الأحاديث كقوله عليه الصلاة والسلام:«من بنى مسجدًا ولو كمِفْحَص قَطَاة بنى الله له بيتًا في الجنة» وإذا كثير من هذه الأموال تذهب هكذا سُدى دون فائدة.
قديمًا كنا نقول: لتحقيق مصلحة مرسلة، أما بهذه الارتفاع فليس في ذلك مصلحة إطلاقًا .. أما اليوم فلا مصلحة إطلاقًا في بناء مئذنة، لولا العرف السائد فيدل الغريب أن هذا مسجد فلا مانع من اتخاذ مئذنة مصغرة جدًا وبأقل كلفة؛ لأننا قلنا بأن مكبر الصوت يغني عن تلك المئذنة.
(رحلة النور: ٣٨ أ/٠٠: ٠٨: ٤٦)
[السواري في المساجد]
قال تعالى:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات: ٥٥]، وإن من أهم ما يجب التذكير به، إنما هو ما ابتُلي به جماهير الناس لجهله، أو على الأقل بالغفلة عنه، الذي ينبغي الاعتناء بالتذكير به قبل كل شيء إنما هو ما كان مجهولاً عن جماهير الناس، أو كانوا غافلين عنه، أن أكثر المساجد القديمة بُنِيت يوم بنيت، والهندسة المعمارية لم تكن قد ساعدتهم على بناء مسجد دون أعمدة ودون سَوَاري، ولذلك فلا يكاد مسجد يخلو من أن يكون فيه عديد من الأعمدة والسواري، وهذه الأعمدة يوم بُني، بنيت دون التخطيط من مهندس فقيه بالإسلام، أو على الأقل أن يتعاون مع عالم من العلماء؛ لأن الحقيقة: أن العلوم التي أشرنا إليها في الكلمة السابقة -وهي العلوم الكفائية- لا يستطيع أن ينوءَ، أو أن ينهض بها فرد من أفراد