واتباعهم لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي تدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان [يحرص] خاصة في أمره للناس بتسوية الصفوف حتى كان أحيانًا يبالغ في ذلك فيقول: «لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» فأعرض أئمة المساجد عن مثل هذا التذكير الذي صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعبارات شتى كلها تلتقي على أنه ينبغي للإمام أن يكون له عناية خاصة بتوجيه المصلين واعتنائهم بتسوية صفوفهم.
فلما أهمل أئمة المساجد إلا ما شاء الله من هذه السنة في الاهتمام بتسوية الصف، نتج من وراء ذلك خلاف، وعدم أمر المصلين بتسوية الصفوف، فوجدوا الحل في ذلك أن يربطوهم بالخيط، هذا بلا شك أنه سيكون استمرار في الإعراض عن السنة القديمة، زائد أن المصلين إذا خرجوا إلى العراء بمناسبة ما كما كنا اليوم هناك في مخيم ما يستطيع أن يصفوا؛ ولا نذهب بكم بعيدًا فنتذكر الصلاة في المصلى مصلى العيد، ليس هناك خيط، ولذلك فسيجد الإمام إن أراد أن يسوي الصفوف مشقة كبيرة جدًا؛ لأنهم اعتادوا أن يصلوا على الخيط، وهذا الخيط لا يتيسر في [ذلك] مكان، فإذًا معنى هذه البدعة ضد السنة، وقد اتفق العلماء حتى من قال منهم بالبدعة الحسنة، قالوا: إن البدعة السيئة هي التي تعارض السنة، وهذه إذًا تعارض السنة، فينبغي أن تكون بدعًة باتفاق العلماء حتى الذين يقسمون البدع إلى خمسة أقسام، فبالأولى الذين لا يقولون إلا بقول الرسول عليه السلام:«كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار».
المئذنة .. يمكن أن يقال: إنها مصلحة مرسلة؛ ذلك لأنها تحقق غرضًا شرعيًا بخلاف الخيط، فالخيط يقضي على سنة الأمر بتسوية الصفوف واعتناء المصلين بتسوية الصفوف كما ذكرنا آنفًا، أما المئذنة فلم يكن هناك وسيلة أخرى لتبليغ الصوت إلى أبعد مكان ممكن، فوجدت هذه المئذنة، وخاصة لما بدأت الأبنية تكثر في بعض المدن أو العراء، ثم بعدها ترتفع، فلم يعد صوت المؤذن ... وراء المسجد يبلغ حيث ينبغي أن يبلغ، فوجدت هذه الوسيلة، أما اليوم فأصبحت كما يقال [هملاً] لأنها لا أحد يصعد إليها يؤذن عليها فيبلغ الناس، وإنما أصبحت [زينة] للمسجد، فأنا أرى مادام وجد مكبر الصوت فلا يجوز بناء المئذنة لسببين اثنين: