الشيخ: الجواب كما هو معلوم في كل أمر صدر من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالأصل فيه أنه للوجوب، إلا إذا وُجِدت قرينة تصرف هذا الأمر من الوجوب إلى الاستحباب، ولا قرينة هنا، وعلى ذلك فينبغي البقاء على الأصل ألا وهو الوجوب.
ولكني أقول: قد يُمكن أن نَتَلَمَّس قرينة تؤكد أن الأمر هاهنا على الوجوب، من ذلك مثلاً قوله عليه الصلاة والسلام:«لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها» ففي هذا الحديث وهو في صحيح مسلم، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين أمرين أو شيئين متباينين، فهو من جهةٍ يأمر باحترام الميت وذلك بالنهي عن الجلوس على قبره، ومن جهة أخرى ينهى عن المبالغة في احترام الميت فينهى عن الصلاة إلى القبر، فقال عليه الصلاة والسلام:«لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها».
والسؤال السابق آنفاً في الأمر فيما يتعلق بالمشي بين القبور:«يا صاحب السبتيتين اخلع نعليك» كذلك هنا يرد السؤال نفسه في قوله عليه السلام: «لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها» هل النهي هنا للتحريم أم للتنزيه؟ الجواب كالجواب السابق بالنسبة للأمر، فكما أن الأصل في الأمر الوجوب، فكذلك الأصل في النهي التحريم، فقد يقول قائل: نهيه عليه السلام عن الجلوس على القبر وعن الصلاة إلى القبر، هل هو للتحريم أم للتنزيه؟ الجواب كما سبق بالنسبة للأمر، الأصل فيه أنه للتحريم.
وحينئذٍ فيُمكننا أن نستنبط من نهيه عليه الصلاة والسلام عن الجلوس على القبر، أنه يلتقي مع أمره لصاحب السبتيتين بخلعهما، وذلك من باب احترام المقبورين، فالتقى هذا الحديث بذاك، وصار هذا الثاني قرينة مؤيدة لكون الأمر في حديث السبتيتين هو على أصله، أي الوجوب.
قد يورد بعض الناس بمثل هذه المناسبة حديث: «إن الميت إذا وُضِع في قبره،