للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي - صلى الله عليه وسلم -، فان تقريره لهم على القيام دل على أنه لا يلزمهم الجلوس في تلك الحالة؛ لأن أبا بكر ابتدأ بالصلاة بهم قائماً، فصلوا معه قياماً؛ بخلاف الحالة الأولى؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - ابتدأ الصلاة جالساً، فلما صلوا خلفه قياماً؛ أنكر عليهم.

ويقوي هذا الجمعَ أن الأصل عدم النسخ؛ لا سيما وهو في هذه الحالة يستلزم دعوى النسخ مرتين؛ لأن الأصل في حكم القادر على القيام أن لا يصلي قاعداً، وقد نسخ إلى القعود في حق من صلى إمامه قاعداً، فدعوى نسخ القعود بعد ذلك يقتضي وقوع النسخ مرتين، وهو بعيد. اهـ.

وللمانعين لدعوى النسخ أجوبة كثيرة تراجع في المطولات، وقد لخصها المحقق السندي في «حاشيته على البخاري»، ثم قال: ومما يدل على بقاء الحكم المذكور: أنه قد جعل قعود المقتدي عند قعود الإمام من جملة الاقتداء بالإمام، والإجماع على بقاء الاقتداء به؛ فالظاهر بقاء ما هو من جملة الاقتداء. وكذا يدل على بقاء الحكم: أنه قد عَلّلَ في بعض الروايات حكم القعود؛ بأن القيام عند قعود الإمام من أفعال أهل فارس بعظمائها - يعني: أنه يشبه تعظيم المخلوق فيما وُضعَ لتعظيم الخالق من الصلاة -، ولا يخفى بقاء هذه العلة، والأصل بقاء الحكم عند دوام العلة.

وللطرفين ها هنا كلمات، وما ذكرنا فيه كفاية في بيان أن دعوى النسخ لا يخلو عن نظر. اهـ.

ويَرُدُّ هذه الدعوى أيضاً حديثا أبي هريرة وابن عمر المُصَدَّرُ بهما هذا البحث؛ فقد جعل - صلى الله عليه وسلم - الصلاة وراء الإمام الجالس جلوساً من طاعة الأئمة، التي هي من طاعته - صلى الله عليه وسلم -، وغير معقول أن ينسخ شيء منها. والله أعلم.

[أصل صفة الصلاة (١/ ٨٥)]

<<  <  ج: ص:  >  >>