أما الرجل الذي جاء وقد فاتته الصلاة خلف النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال عليه الصلاة والسلام لمن حوله:«ألا رجل يتصدق على هذا، ويصلي معه، فقام أحدهم» هذا القائم قد صلى الفرض وراء الرسول عليه السلام، فهو غني، أما ذاك الرجل الذي أراد أن يصلي وحده فهو فقير، فذاك الذي صلى خلف الرسول يتصدق على هذا، بإمكانه أن يتصدق على هذا، لكن هؤلاء الفقراء والمساكين الذين فاتتهم الجماعة كلهم سواء، فتقديمهم أحدَهم، من المُتَصدِّق ومن المُتَصَدَّق عليه، لا يوجد هذا أبداً؛ لذلك: الحديث هذا لا علاقة له بالجماعة الثانية.
هذه صورتها: أن الرجل يصلي مع الجماعة، ثم يرى رجلاً يريد أن يُصَلِّي وحده، فهو يصلي معه، لا بأس في هذا؛ لأن هذه جماعة نفل، وليست جماعة فرض، وبحثنا في جماعة الفرض، وليس في جماعة النفل، وعلى العكس من ذلك -مثلاً-: كما وقع في حجة الوداع، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة الصبح في مسجد الخيف، لما سَلَّم وجد رجلين يوحي وضعهما أنهما لم يصليا مع الرسول، قال لهما:«أولستما مسلمين؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: فما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: يا رسول الله! إنا كنا قد صلينا في رحالنا، قال: فإذا صلى أحدكم في رحله ثم أتى مسجد الجماعة فليصل معهم، فإنها تكون له نافلة» فهذه نافلة كتلك الصلاة التي صلاها الرجل الذي استجاب لأمر الرسول عليه السلام: «ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه» فهذه نافلة، الجماعة جماعة نافلة، نحن نتكلم عن جماعة الفريضة.
جماعة الفريضة في المسجد الذي له إمام راتب، وله مؤذن راتب، ليجتمع الناس ليُصَلَّوا في هذا المسجد، لا يشرع جماعة ثانية؛ وسبب ذلك يعود إلى النقل والعقل والنقل هو الأصل؛ لأن هذا لم يقع في عهد الرسول عليه السلام، ولا في عهد الصحابة الكرام.
أما العقل والنظر السليم: فإنك إذا فَكّرت -لا سيما إذا كنت قد جَرَّبتَ كما جَرَّبتُ أنا- فستجد أن القول بشرعية الجماعة الثانية، يعود بالنقض للجماعة الأولى؛