استدل بعضهم بالحديث على جواز المرور بين يدي المصلي في مسجد مكة خاصة، وبعضهم أطلق، ومن تراجم النسائي للحديث «باب الرخصة في ذلك» يعني المرور بين يدي المصلي وسترته، ولا يخفى عليك فساد هذا الاستدلال، وذلك لوجوه: الأول: ضعف الحديث. الثاني: مخالفته لعموم الأحاديث التي توجب على المصلي أن يصلي إلى سترة وهي معروفة، وكذا الأحاديث التي تنهى عن المرور كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا من أن يمر بين يديه». رواه البخاري ومسلم وهو مخرج في «صحيح أبي داود»«٦٩٨». الثالث: أن الحديث ليس فيه التصريح بأن الناس كانوا يمرون بينه - صلى الله عليه وسلم - وبين موضع سجوده، فإن هذا هو المقصود من المرور المنهي عنه على الراجح من أقوال العلماء. ولذلك قال السندي في «حاشيته على النسائي»: «ظاهره أنه لا حاجة إلى السترة في مكة. وبه قيل، ومن لا يقول به، يحمله على أن الطائفين كانوا يمرون وراء موضع السجود، أو وراء ما يقع فيه نظر الخاشع». ولقد لمست أثر هذا الحديث الضعيف في مكة حينما حججت لأول مرة سنة «١٣٦٩»، فقد دخلتها ليلا فطفت سبعا، ثم جئت المقام، فافتتحت الصلاة، فما كدت أشرع فيها حتى وجدت نفسي في جهاد مستمر مع المارة بيني وبين موضع سجودي، فما أكاد أنتهي من صد أحدهم عملا بأمره - صلى الله عليه وسلم - حتى يأتي آخر فأصده وهكذا! ! ولقد اغتاظ أحدهم من صدي هذا فوقف قريبا مني حتى انتهيت من الصلاة، ثم أقبل علي منكرا، فلما احتججت عليه بالأحاديث الواردة في النهي عن المرور، والآمرة بدفع المار، أجاب بأن مكة مستثناة من ذلك، فرددت عليه، واشتد النزاع بيني وبينه، فطلبت الرجوع في حله إلى أهل العلم، فلما اتصلنا بهم إذا هم مختلفون! واحتج بعضهم بهذا الحديث، فطلبت إثبات صحته فلم يستطيعوا، فكان ذلك من أسباب تخريج هذا الحديث، وبيان علته.
فتأمل فيما ذكرته يتبين لك خطر الأحاديث الضعيفة وأثرها السيئ في الأمة.