المعاد». وخالف الطبري في «تهذيب الآثار»«ص ٣٢١ - الجزء المفقود، تحقيق علي رضا» فزعم أن معنى: «يقطع» في هذا نظير قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته»؛ وهو حديث صحيح مخرج في «صحيح أبي داود»«٦٩٢ و ٦٩٥»! فقال الطبري: «ومعلوم أن قطع الشيطان صلاة المصلي ليس بمروره بين يديه وحده دون إحداثه له من أسباب الوسوسة والشك، وشغل القلب بغير صلاته ما يفسد به صلاته ويقطعها عليه»! فأقول: هذا كلام عجيب غريب من مثل هذا الإمام الحافظ، فإنه يشبه كلام المعطلة لنصوص الصفات بالتأويل المبطل لدلالتها، وإليك البيان: لقد سلم الإمام بأن الشيطان يقطع الصلاة ليس بالمرور وحده، وإنما بالوسوسة أيضاً، فكيف يصح جعل القطع بمرور الأجناس الثلاثة نظير قطع الشيطان، وليس في شيء منها الوسوسة التي هي من طبيعة الشيطان بنص القرآن:«الذي يوسوس في صدور الناس»؟ ! وإنما فيها المرور فقط، أليس في هذا التنظير تعطيلاً واضحاً لعلة المرور المذكور في حديث الأجناس دون الحديث الآخر؟ ! وذلك أن الشيطان يوسوس ولو لم يمر كما في حديث:«إن أحدكم إذا قام يصلي؛ جاء الشيطان فلبّس عليه صلاته حتى لا يدري كم صلى ... » الحديث متفق عليه، وهو مخرج في «صحيح أبي داود»«٩٤٣»، ولذلك لم يذكر في الحديث الآخر المرور؛ بخلاف الحديث الأول حديث الأجناس الثلاثة، فاختلفا، ولم يجز التنظير والمساواة بينهما في معنى «القطع».
وأيضاً؛ فالشيطان لا يُرى بحكم قوله تعالى:{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ}، فناسب أن لا يذكر مروره في الحديث، وعدم الأمر بإعادة الصلاة، بخلاف الحديث الأول؛ فإنها أجناس مرئية فناسب الأمر بالإعادة، فاختلفا من هذه الناحية أيضاً. فإن قيل: إذا كان الأمر كما ذكرت «فما فائدة الأمر باتخاذ السترة؟ ! فأقول: الأمر تعبدي محض، وسبب شرعي غير معقول المعنى للمحافظة على صحة الصلاة في الحديث الأول، وسلامتها من وسوسة الشيطان وتعريضه إياها للفساد، أو على الأقل لنقص الخشوع فيها في الحديث الآخر. وأيضاً؛ فإن مما يؤكد بطلان ذلك التنظير وفساده: أنه لا يجعل لذكر الأنواع الثلاثة معنى، بل يجعله لغواً، وهذا