آخرة الرحل-: الحمارُ، والكلب الأسود، والمرأة». أخرجه مسلم وغيره عن أبي ذر، وهو في الكتاب الآخر برقم «٦٩٩».
ولو أن هذه الأحاديث صحتْ؛ لكان الجمع بينها وبين حديث أبي ذر هذا
ممكناً بأن يقال: إن تلك مطلقة، وهذا مقيد، فيحمل المطلق على المقيد- كما في
علم الأصول تقيّد-، فينتج من ذلك أنه: لا يقطع الصلاة شيء إذا كان بين يديه ما يستره، وإلا؛ قطعت بالثلاثة المذكورة. وهذا في الواقع مفهوم حديث أبي ذر- كما لا يخفى-، بل قد جاء ذلك منطوقاً في رواية عنه بلفظ:«لا يقطعُ الصلاة شيء إذا كان بين يديه كآخرة الرحل»، وقال:«يقطع الصلاة المرأةُ ... » الحديث.
أخرجه أبو عوانة في «صحيحه»«٢/ ٥٠ - ٥١»، والطحاوي هكذا بسند صحيح.
وبهذا تتفق الأحاديث كلها، فلا مسوغ حينئذِ للقول بنسخ حديث أبي ذر وما
في معناه من الأحاديث، كما فعل الشيخ أحمد شاكر، وكانت عمدته في ذلك
حديث عياش هذا! وقد علمت أنه لا يصح. ولو صح لم يكن صريحاً في النسخ؛
لأن عياشاً رضي الله عنه- حين استنكاره لمرور الحمار- كان مؤتماً، وفي هذه الصورة لا يضر المرور بين أيديهم اتفاقاً؛ لأن الإمام سترة لمن خلفه. وكأنه كان عنده أن المرور مطلقاً يقطع الصلاة، فبين له عليه الصلاة والسلام أن الصلاة لا يقطعها شيء؛ أي: الصلاة وراء الإمام؛ لأنه سترتهم، فهو مثل حديث أبي ذر تماماً. وإنما كان يصح أن يكون ناسخاً لو أن في الحديث التصريح بأن الحمار مر بين يديه - صلى الله عليه وسلم -، وأنه لم يكن أمامه سترة، ودون إثبات هذين الأمرين خرْطُ القتادِ! لا سيما وأنّ من هديه - صلى الله عليه وسلم - الصلاة وراء سترة، فهذا يقتضي أن صلاته في هذا الحديث كانت وراء سترة؛ إلا إن ثبت خلافه.