فنقول:«لا يقطع الصلاة شيء» إما أن يُقَال بأن هذا كان على البراءة الأصلية، قبل أن يأتي الحكم الجديد، وهو إثبات القطع المشار إليه، في تلك الأحاديث.
وإما أن نقول: إن القطع المنفي هو القطع الكامل، أي القطع المنفي هو الذي يُفَسّر بمعنى بطلان الصلاة، وهذا صريح في الحديث الأخير، إنما الحديث الأول «إذا صلى أحدكم فليصلِّ إلى سترة، لا يقطع الشيطان عليه صلاته».
هذا القطع حقيقةً عند العلماء، كما سبقت الإشارة إليه، ليس بمعنى الإبطال، وإنما هو بمعنى نقص الثواب والأجر، كما جاء في الحديث الصحيح، «إن الرجل لا يصلي الصلاة، ما يُكْتَب له منها إلا عُشْرُها، وهكذا حتى قال عليه السلام: أو نصفها».
فهذا النقص في فضل الصلاة، هو الذي يتعرض له الذي يصلي إلى غير السترة.
فعلى هذا المعنى، لو صح حديث «لا يقطع الصلاة شيء» يُحْمَل، أما حديث مسلم:«يقطع صلاة أحدكم، إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل: المرأة والحمار والكلب الأسود» وإلى آخره، فهذا قطعاً أخطر من القطع الأول، وهو يعني الإبطال، وهذا هو مذهب الإمام «أحمد رحمه الله» إلا في رواية عنه تَوَقَّف في موضوع الكلب الأسود، ولا ينبغي لنا أن نتوقف بعد أن صَحَّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قرن الكلب الأسود، مع الحمار ومع المرأة.
والمرأة في هذا الحديث يُرَاد بها، كما جاء في رواية «الحائض» أي البالغ.
فإذا كانت المرأة صغيرة لم تبلغ سِنّ التكليف، فهذه لا تقطع الصلاة؛ لقوله عليه السلام في «سنن أبي داوود» بلفظ «المرأة الحائض».
وليس المقصود المرأة التي هي في حالة الدورة الشهرية؛ لأن هذه من الأمور الباطنة التي لا يُعْقَل أن تُكَلِّف الشريعة المؤمنين بها، لأن امرأة مرت بين يديك حتى لا سمح الله، لو كانت متبرجة من أين لك أن تدري إنها حائض وإلا طاهر،