للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه أولاً من المسائل النظرية التي لا يمكن الوصول إلى معرفة رأي جميع علماء المسلمين ممن تقدم منهم وتأخر، لأن مثل هذا الإجماع الذي ينقل في مثل هذه المسألة النظرية هو كالعنقاء اسم بغير جسم, من الذي يمكن أن يمر على كل العلماء في كل عصر ليجمع أقوالهم وتتحد أقوالهم ثم تصل إلى زمن الذي نقله القاضي هذا وغيره أن الإجماع وقع أنه لا يجوز التقدم لرد المار لأنه أكثر خطأ من المرور.

أنا أقول:

أولاً: لرد هذا الإجماع المزعوم فيه الحديث الذي جاء ذكره في السؤال: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي، حينما لاحظ بأن شاة تريد أن تمر بين يديه فساعاها أي سبقها حتى ألصق بطنه بالجدار فمرت من خلفه, هذا حديث صحيح, فكيف يمكن أن ينعقد إجماع على خلافه؟

ثانيًا: قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا قام أحدكم يصلي فأراد أحدٌ أن يمر بين يديه فليمنعه، فإن أبى فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان» ولا شك أن المقاتلة أشد من مشي خطوة أو خطوتين.

ثالثًا: وأخيرًا, لمنع المار بين يدي المصلي لا يحتاج الأمر إلى أن يتقدم؛ وهنا يخطر في بالي الآن لعل هذا الإجماع المدَّعى ليس هو فيما إذا أراد أن يمر بين المصلي وبين سترته؛ وإنما يكون الرجل لم يتخذ سترة ويمر المار بعيدًا عنه، بحيث أنه لو أراد منعه بيده -كما أشار عليه السلام آنفًا في الحديث الصحيح - لا يطول المار ولا يستطيع أن يمنعه، فيتقدم إليه ليمنعه؛ هنا يمكن أن يقال بأن هذا الكلام صحيح بغض النظر عن الإجماع لأن الإجماع لا يمكن أن يصح في هذه القضية، وإلا لماذا قيَّد العبارة المذكورة آنفًا أن يتقدم لمنع المار؟ والمقيم بل القائم في الصلاة وأمامه سترة وهو كما تعلمون في السنة لا ينبغي أن يكون بعيدًا عن السترة إلا بمقدار شبر أو ممر شاة كما جاء في بعض الأحاديث بين موضع سجوده وموضع السترة، ففي الغالب إذا أراد المار أن يمر بينه وبين السترة فيكفيه أن يمنعه بمد يده، أما إذا أراد أن يمر وراء موضع السجود أي وراء السترة فهذا أولاً: لا يضره أما في حالة عدم

<<  <  ج: ص:  >  >>