هريرة وحسان بن ثابت وقد فصلت القول في ذلك في «التعليقات الجياد» بما لا يوجد في كتاب والحمد لله.
واعلم أن الحديث الأول يفيد تحريم بناء المساجد على القبور وذلك يستلزم تحريم الصلاة فيها من باب أولى لأنه - كما لا يخفى - من قبيل النهي عن الوسيلة - وهو البناء - لكي لا تتحقق الغاية - وهي العبادة في هذا البناء الذي أقيم على معصية الله تعالى - لما يترتب من وراء ذلك من المفاسد الاعتقادية كما هو الواقع.
وأما الحديث الثاني فهو أعم من الأول لأنه بلفظه يشمل الوسيلة والغاية فاتخاذ المكان مسجدا معناه الصلاة فيه (١) ومعناه البناء عليه من أجل الصلاة والسجود فيه فكل منهما مستلزم للآخر كما أفاده المناوي في «الفيض» ومن المعلوم بالبداهة أن اليهود والنصارى الملعونين إنما بنوا تلك المساجد للصلاة فيها فمن صلى في مسجد فيه قبر ولو لم يقصد القبر فقد شابه أولئك المغضوب عليهم والضالين وقد نهينا عن التشبه بهم في نصوص عامة وخاصة ولذلك قال العلامة ابن الملك - وهو من علمائنا الحنفية - في شرح حديث ابن عباس المذكور آنفا:
«إنما حرم اتخاذ المساجد عليها لأن في الصلاة فيها استنانا بسنة اليهود». نقله الشيخ علي القاري في «المرقاة».
يضاف إلى ما تقدم أن الصلاة في المساجد المبنية على القبور قد تفضي بصاحبها أو بمن يقتدي به من العوام والجهال إلى تخصيص الميت ببعض العبادات الخاصة بالله تعالى كالاستغاثة والسجود كما هو واقع في أكثر المساجد المبنية على القبور وهو مشاهد فنهى عن ذلك سدا للذريعة فهو كالنهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة المكروهة تحريما بل المفسدة في تلك المساجد أوضح وأظهر منها في هذه الأوقات كما يشهد به الواقع.
(١) قال شيخ الإسلام في «الاقتضاء»: وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدا بل كل موضع يصلى فيه فإنه يسمى مسجدا وإن لم يكن هناك بناء كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا». [منه].