لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واتقاء لمعصيته كما تقدم». ثم قال فيه:«فإن نهيه عن اتخاذ القبور مساجد يتضمن النهي عن بناء المساجد عليها وعن قصد الصلاة عندها وكلاهما منهي عنه باتفاق العلماء فإنهم قد نهو عن بناء المساجد على القبور بل صرحوا بتحريم ذلك كما دل عليه النص واتفقوا أيضا على أنه لا يشرع قصد الصلاة والدعاء عند القبور.
ولم يقل أحد من المسلمين: إن الصلاة عندها والدعاء عندها أفضل منه في المساجد الخالية عن القبور، بل اتفق علماء المسلمين على أن الصلاة والدعاء في المساجد التي لم تبن على القبور أفضل من الصلاة والدعاء في المساجد التي بنيت على القبور، بل الصلاة والدعاء في هذه منهي عنه مكروه باتفاقهم، وقد صرح كثير منهم بتحريم ذلك بل وبإبطال الصلاة فيها، وإن كان في هذا نزاع والمقصود هنا أن هذا ليس بواجب ولا مستحب باتفاقهم بل هو مكروه باتفاقهم». وقال في «الجواب الباهر في زوار المقابر»(١):
«والصلاة في المساجد المبنية على القبور منهي عنها مطلقا بخلاف مسجده - صلى الله عليه وسلم - فإن الصلاة فيه بألف صلاة فإنه أسس على التقوى وكانت حرمته في حياته - صلى الله عليه وسلم - وحياة خلفائه الراشدين قبل دخول الحجرة فيه». ثم قال:«ومن اعتقد أنه قبل القبر لم تكن فيه فضيلة وإنما حدثت له الفضيلة في خلافة الوليد لما أدخلت الحجرة فيه فهو جاهل مفرط في الجهل أو كافر مكذب لما جاء به عليه السلام مستحق للقتل».
وقد أفتى رحمه الله مرارا بكراهة الصلاة في المساجد المبنية على القبور فقد جاء في الفتاوى له ما نصه:
«مسألة: في المسجد إذا كان فيه قبر والناس يجتمعون فيه لصلاة الجماعة فهل تجوز الصلاة فيه أم لا؟ وهل يمهد القبر أم لا؟
(١) رسالة جامعة لما تفرق في كتبه الكثيرة مما يتعلق بهذا الموضوع وهي من مخطوطات المكتبة الظاهرية تحت رقم «١٢٩» مجموع. وما نقلناه منها في الورقة «٢٢ و ٥٥» [منه].