وإنما نُوجب على المسلم أن يختار المسجد الذي بُنِي على طاعة الله وليس على معصية الله، ومن هذا القبيل -الذي بُنِي على معصية الله- مساجد مبنية على القبور؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام جاءت عنه أحاديث متواترة في لعن الذين يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد.
فإذا كان لا يوجد مسجد خالي عن قبر حوالي المكلف هذا بالصلاة، ففي هذه الحالة يدور الأمر بين أن يقال له: صَلِّ في بيتك وحدك وتترك جماعة المسلمين، أو صَلِّ في هذا المسجد من أجل لا تفوت عليك صلاة الجماعة.
فإذا دار الأمر بين هذا وهذا، قيل لهذا: أخف الشَرَّين أنه يصلي في المسجد مع الجماعة، وبخاصة أن المفروض بمثل هذا الإنسان، أنه ليس كأولئك الأناس الغافلين الذين لا تَفْرُق معهم الصلاة في مسجد فيه قبر أو في مسجد ليس فيه قبر؛ لأنهم لا علم عندهم.
فهذا الذي يصلي في المسجد الذي فيه قبر؛ لأنه لا يجد حواليه مسجداً ليس فيه قبر، هذا يعني: لا يُتَصَوَّر في حقه ما يُتَصَوَّر في حق الآخرين أن الصلاة في مسجد فيه وَليّ مثلاً أفضل من المسجد الذي ليس فيه هذا الوليّ، فهذا يكون عذره أقوى عند الله عز وجل فيما إذا صلى في مثل هذا المسجد من ذاك الذي لا يحمل هذه العقيدة الصحيحة.
لكن انطلاقاً من قاعدة: الضرورات تُبِيح المحظورات، قلنا: يصلي في هذا المسجد وليس في داره وحده.
وانطلاقاً من تمام القاعدة السابقة: الضرورة تُقَدَّر بقدرها، فهو لا يُصَلِّي السُّنَن في هذا المسجد؛ لأنه هنا لا يوجد جماعة.
نحن جَوَّزنا له الصلاة في المسجد هنا من أجل لا نُفَوِّت عليه ماذا؟ صلاة الجماعة.