«إن بني عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قباء وطلبوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأتيهم. فصلى فيه عليه الصلاة والسلام فحسدهم إخوانهم بنو غنم بن عوف وقالوا: نبني مسجدا ونبعث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتينا فيصلي لنا كما صلى في مسجد إخواننا ويصلي فيه أبو عامر إذا قدم من الشام (١). فأتوه - صلى الله عليه وسلم - وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا: يا رسول الله قد بنينا مسجدا لذي الحاجة والعلة والليلة المطيرة ونحب أن تصلي لنا فيه وتدعو بالبركة - وإنما أرادوا بذلك الاحتجاج بصلاته فيه على تقريره وإثباته فعصمه الله من الصلاة فيه - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إني على سفر وحال شغل فلو قدمنا لأتيناكم وصلينا لكم إن شاء الله» فلما انصرف من تبوك أتوه وقد فرغوا منه وصلوا فيه الجمعة والسبت والأحد فدعا بقميصه ليلبسه ويأتيهم فنزل عليه القرآن بخبر مسجد الضرار فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - جماعة من الصحابة فقال:«انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه» فخرجوا مسرعين فأحرقوا المسجد وهدموه.
وفي الآية دلالة على أنه لا تجوز الصلاة في مسجد الضرار وما في معناه من المساجد وقد ذهب إلى هذا المالكية وغيرهم ونص ابن حزم في «المحلى» بقوله تعالى في الآية: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} قال: «فصح أنه ليس موضع صلاة».
قلت: والآية وإن كانت خاصة في مسجد الضرار فليس هو مقصودا بذاته كما لا يخفى بل المقصود الأوصاف التي وصف بها من الضرار والتفريق، فكل مسجد وجدت فيه هذه الأوصاف أو بعضها كان له حكم مسجد الضرار، ولذلك قال القرطبي في «تفسيره»:
«قال علماؤنا: وكل مسجد بني ضرارا أو رياء وسمعة فهو في حكم مسجد الضرار لا تجوز الصلاة فيه». وقال أيضا:
(١) رجل من الخزرج كان قد تنصر في الجاهلية وقرأ علم أهل الكتاب وكان فيه عبادة في الجاهلية وله شرف في الخزرج كبير وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد دعاه إلى الله وقرأ عليه من القرآن فأبى أن يسلم وتمرد ولما فرغ الناس من أحد ورأى أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ارتفاع وظهور ذهب إلى هرقل ملك الروم يستنصره على النبي - صلى الله عليه وسلم - فوعده ومناه وأقام عنده وكتب إلى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمرهم أن يتخذوا له معقلا يكون مرصدا له إذا قدم عليهم. [منه].