للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انتهى. وفيه أن حديث أنس المذكور في الباب إنما ورد في حال الضيق لقوله: فاضطرنا الناس. ويمكن أن يقال: إن الضرورة المشار إليها في الحديث لم تبلغ قدر الضرورة التي يرتفع الحرج معها. وحديث قرة ليس فيه إلا ذكر النهي عن الصف بين السواري ولم يقل: كنا ننهى عن الصلاة بين السواري ففيه دليل على التفرقة بين الجماعة والمنفرد، ولكن حديث أنس الذي ذكره الحاكم فيه النهي عن مطلق الصلاة فيحمل المطلق على المقيد ويدل على ذلك صلاته - صلى الله عليه وسلم - بين الساريتين فيكون النهي على هذا مختصا بصلاة المؤتمين بين السواري دون صلاة الإمام والمنفرد وهذا أحسن ما يقال. وما تقدم من قياس المؤتمين على الإمام والمنفرد فاسد الاعتبار لمصادمته لأحاديث الباب» ا. هـ كلام الشوكاني ببعض اختصار.

وهو حق كله لا غبار عليه غير أن قوله: «إن حديث أنس عند الحاكم فيه النهي عن مطلق الصلاة» ليس بظاهر عندي أنه مطلق بل هو مقيد بصلاة الجماعة كحديث معاوية بن قرة بدليل قوله: «لا تصلوا بين الأساطين وأتموا الصفوف» فهذا عندي كالتفسير للنهي المذكور قبله والله أعلم. فإذا صح هذا وصح حديث أنس بهذه الزيادة فيكون فيها الإشارة إلى علة النهي وهي قطع الصفوف ولذلك أمر بإتمامها في الحديث نفسه. والله أعلم.

وقد صرح الإمام أحمد بهذا فقال أبو داود في «مسائله»: «سمعت أحمد سئل عن الصلاة بين الأساطين؟ قال: إنما كره لأنه يقطع الصف فإذا تباعد بينهما فأرجو».

ولذلك أقول: إنه ينبغي لمن أراد أن يبني مسجدا أو جامعا أن يأمر المهندس بأن يضع له خارطة تكون فيه السواري قليلة ما أمكن تقليلا للمفسدة التي تترتب على وجودها في المساجد من قطع الصفوف وتضييق المكان على المصلين، وإنه لمن الممكن اليوم بناء المسجد بدون أية سارية بواسطة الشمنتو والحديد «الباطون» إذا لم يكن المسجد واسعا جدا، وقد بنيت في دمشق عدة مساجد على هذه المثال كمسجد «لالا باشا» في شارع بغداد وجامع المرابط في المهاجرين وغيرهما، فالصفوف فيهما متصلة كلها حاشا الصفوف الأمامية فإنها مقطوعة مع الأسف بسبب هذه البدعة

<<  <  ج: ص:  >  >>