فإن قيل: قد تقرر في الشرع النهي عن لبسة الكفار؛ كما قال عبد الله بن عمرو: رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليَّ ثوبين معصفرين، فقال:«إن هذه من ثياب الكفار؛ فلا تلبسها».
أخرجه مسلم «٦/ ١٤٤» وغيره؛ فكيف لبس - صلى الله عليه وسلم - لباس الروم وهم من الكفار، وقد نهى عن لباسهم؟ !
والجواب: إن الألبسة نوعان: نوع منها مشترك بين جميع الأمم والأديان، ليس شعاراً لبعضهم دون بعض. فهذا مباح للمسلم لبسها مهما كان شكلها ومصدرها، لا ضير على المسلم في ذلك، وقد جاء في «الدر المختار»: «إن التشبه بأهل الكتاب لا يكره في كل شيء. وذكروا على ذلك عن هشام قال: رأيت على أبي يوسف نعلين مخصوفين بمسامير، فقلت: أترى بهذا بأساً؟ قال: لا.
قلت: سفيان وثور بن يزيد كرها ذلك؛ لأن فيه تشبهاً بالرهبان. فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبس النعال التي لها شعر، وإنها من لباس الرهبان». اهـ.
ومن هذا النوع كانت جبة النبي - صلى الله عليه وسلم - الرومية فيما يظهر لنا.
وأما النوع الآخر؛ فهو ما كان شعاراً لبعض الأمم الكافرة؛ يتميزون به عن غيرهم من الأمم. فلا يجوز حينئذٍ لمسلم أن يقلدهم، وأن يتشبه بهم في ذلك؛ لما في ذلك من تضعيف شوكة المسلمين؛ بتقليل عددهم في الظاهر، وتقوية أعدائهم عليهم بذلك، وقد تقرر في علم النفس - كما كنت قرأت في بعض الكتب والمجلات العصرية -: أن للظاهر تأثيراً في الباطن. وذلك مشهود في بعض المظاهر، وقد أشار إلى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله حينما كان يسوي الصفوف:«لا تختلفوا؛ فتختلفَ قلوبكم».
رواه أبو داود «١/ ١٠٧»، والنسائي «١/ ١٣٠»، وابن خزيمة في «صحيحه».
وسنده صحيح عن البراء به. وعن النعمان بن بشير مرفوعاً:«عباد الله! لَتُسَوُّنَّ صفوفكم؛ أو ليخالفن الله بين وجوهكم».