ومال إلى هذا القول القرطبي أيضاً فإنه ذكر في «تفسيره» قول ابن عطية: «ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بألا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه أو إصلاح شأن ونحو ذلك ف «ما ظهر» على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه». فقال القرطبي:
«قلت: هذا قول حسن إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة وذلك في الصلاة والحج فيصلح أن يكون الاستثناء راجعا إليهما يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها ... » ثم ذكر الحديث السابق عند ابن كثير. ثم قال:«فهذا أقوى في جانب الاحتياط ولمراعاة فساد الناس فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها».
واعلم أن العلماء اتفقوا كما في «مراتب الإجماع» على أن شعر الحرة وجسمها - حاشا وجهها ويدها - عورة. واختلفوا في الوجه اليدين حتى أظفارهما: أعورة هي أم لا؟
وقد ظهر لك من تفسير الآية الكريمة أنها تدل دلالة دقيقة على أن الوجه والكفين منها ليس بعورة وذلك ما دلت عليه السنة كما يأتي.
«وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «المرأة عورة».
وهو من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وتمامه:«فإذا خرجت استشرفها الشيطان».
أخرجه الترمذي من طريق همام عن قتادة عن مورق عن أبي الأحوص عنه. وقال:«حديث حسن». وفي نسخة:«حسن صحيح».
قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم. قال المناوي في «فيض القدير»: «ورواه عنه باللفظ المذكور الطبراني وزاد: «وإنها أقرب ما تكون من الله وهي في قعر بيتها» قال الهيثمي: رجاله موثقون. ورواه أيضا ابن حبان عنه».