ولا شك عندي في بطلان هذا الحديث وكذا الحديثين قبله، لأن الشارع الحكيم يزن الأمور بالقسطاص المستقيم، فغير معقول أن يجعل أجر الصلاة في العمامة مثل أجر صلاة الجماعة بل أضعاف أضعافها! مع الفارق الكبير بين حكم العمامة وصلاة الجماعة، فإن العمامة غاية ما يمكن أن يقال فيها: إنها مستحبة، والراجح أنها من سنن العادة لا من سنن العبادة، أما صلاة الجماعة فأقل ما قيل فيها: إنها سنة مؤكدة، وقيل: إنها ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا بها، والصواب أنها فريضة تصح الصلاة بتركها مع الإثم الشديد، فكيف يليق بالحكيم العليم أن يجعل ثوابها مساويا لثواب الصلاة في العمامة بل دونها بدرجات! ولعل الحافظ ابن حجر لاحظ هذا المعنى حين حكم على الحديث بالوضع.
ومن آثار هذه الأحاديث السيئة وتوجيهاتها الخاطئة أننا نرى بعض الناس حين يريد الدخول في الصلاة يكور على رأسه أو طربوشه منديلا لكي يحصل بزعمه على هذا الأجر المذكور مع أنه لم يأت عملا يطهر به نفسه ويزكيها! ومن العجائب أن ترى بعض هؤلاء يرتكبون إثم حلق اللحية فإذا قاموا إلى الصلاة لم يشعروا بأي نقص يلحقهم بسبب تساهلهم هذا ولا يهمهم ذلك أبدا، أما الصلاة في العمامة فأمر لا يستهان به عندهم! ومن الدليل على هذا أنه إذا تقدم رجل ملتح يصلي بهم لم يرضوه حتى يتعمم، وإذا تقدم متعمم ولوكان عاصيا بحلقه للحيته لم يزعجهم ذلك ولم يهتموا له فعكسوا شريعة الله حيث استباحوا ما حرمه، وأو جبوا، أو كادوا أن يوجبوا ما أباحه، والعمامة إن ثبت لها فضيلة فإنما يراد بها العمامة التي يتزين بها المسلم في أحواله العادية! ويتميز بها عن غيره من المواطنين، وليس يراد بها العمامة المستعارة التي يؤدي بها عبادة في دقائق معدودة، فما يكاد يفرغ منها حتى يسجنها في جيبه! والمسلم بحاجة إلى عمامة خارج الصلاة أكثر من حاجته إليها داخلها بحكم أنها شعار للمسلم تميزه عن الكافر ولا سيما في هذا العصر الذي اختلطت فيه أزياء المؤمن بالكافر حتى صار من العسير أن يفشي المسلم السلام على من عرف ومن لم يعرف، فانظر كيف صرفهم الشيطان عن العمامة النافعة إلى العمامة المبتدعة، وسول لهم أن هذه تكفي