بحضرة طعام، لكن هو كان من قبل قد أكل حتى شبع وشرب حتى ارتوى، مع ذلك وُضِعَ الطعام، هل هذا هو المقصود؟ الجواب: لا، وإنما المقصود:«لا صلاة بحضرة طعام» أي: وهو تائق له محتاج إليه، ومع ذلك فهو صلى.
فهذه الصلاة هل هي صحيحة أم لا؟ كما قلت -آنفاً- بعد هذا التوضيح، أقول: القول الأول وهو الذي عليه أكثر العلماء، أن المقصود نفي كمال الصلاة، وليس المقصود نفي صحتها، «لا صلاة» أي: لا صلاة كاملةً.
والقول الثاني: أن الحديث على ظاهره، أي: من صلى وهو تائق إلى الطعام وبحاجة إليه، فصلى وقلبه مشغول به، فهذا صلاته باطلة، كذلك وهو .. تمام الحديث:«وهو يدافعه الأخبثان» المعنى واحد سواءً في الفقرة الأولى أو في الفقرة الأخرى، فمن قال في الأولى:«لا صلاة كاملة» فكذلك في الأخرى، ومن قال بأنه «لا صلاة مطلقاً» أي: إن صلاته باطلة، فيقول أيضاً فيمن صلى وهو حاقن فصلاته أيضاً على القول الثاني إنها صلاة باطلة.
الذي حمل الجمهور القائلين على القول الأول، أي: أن يتأولوا قوله عليه السلام: «لا صلاة» بـ «لا صلاة كاملة» .. الذي حملهم على ذلك أمور، يحضرني منها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ذكر في بعض الأحاديث الصحيحة المروية في صحيح البخاري ومسلم، أن المصلي إذا قام يصلي جاء الشيطان وسَحَب من دُبُره شعرة، يُوهمه أنه قد خرج منه شيء يُبْطِل الصلاة، فقال عليه الصلاة والسلام بهذه المناسبة:«فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً».
فإذاً: قد يشعر الإنسان بشيء من قرقرة في باطنه ولكنه لم يجد ريحاً ولا سمع صوتاً، فحينئذٍ لا ينصرف من صلاته.
فهذه اعْتَبِرُوها قرينة على أن قوله عليه السلام في الأول:«لا صلاة» إنما يعني: لا صلاة كاملةً، هذا الذي يحضرني من الجواب عن هذا السؤال.