للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية لمسلم، «وأبي عوانة»، والبيهقي، وأحمد، والترمذي في نسخة، وهي رواية النسائي: «وأنا من المسلمين». وهي رواية الطبراني عن أبي رافع.

قال السندي رحمه الله: «كأنه كان يقول أحياناً كذلك؛ لإرشاد الأمة إلى ذلك، ولاقتدائهم به فيه، وإلا؛ فاللائق به - صلى الله عليه وسلم -: «وأنا أول المسلمين»؛ كما جاء في كثير من الروايات».

قلت: وأنا أرى أن أصل الحديث: «وأنا أول المسلمين». ولكن بعض الرواة استشكل ذلك بالنسبة إلى غيره - صلى الله عليه وسلم -، فأمر بتغييرها بقوله: «وأنا من المسلمين».

فروى أبو داود «١/ ١٢٢» وغيره - كما يأتي - عن شعيب بن أبي حمزة قال: قال لي ابن المنكدر وابن أبي فروة وغيرهما من فقهاء أهل المدينة: فإذا قلت أنت ذاك؛ فقل: «وأنا من المسلمين». يعني: قوله: «وأنا أول المسلمين».

ويظهر أن بعض الرواة كان مقتنعاً بضرورة هذا التغيير؛ فكان يجعل: «وأنا من المسلمين» في صلب الحديث! وهو تساهل في الرواية غير مستحسن - كما لا يخفى -، وذلك - على ما ذهبنا إليه - قول عبيد الله بن أبي رافع المتقدم: وشككت أن يكون أحدهم قال: «وأنا من المسلمين».

وابن أبي رافع مدار الحديث عليه، وهو قد جزم بأن أصل الحديث: «وأنا أول المسلمين». وشك في رواية: «وأنا من المسلمين». فكل من رواه عنه بهذا اللفظ الأخير؛ فإنما هو واهم أو متأول - كما ذكرنا -؛ ولذلك قال الشافعي رحمه الله - بعد أن ساق الحديث -: «وبهذا كله أقول وآمر، وأحب أن يؤتى به كما يُروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يغادر منه شيئاً، ويجعل مكان: «أول المسلمين»: «وأنا من المسلمين».

قال الشوكاني «٢/ ١٦٢»: «وهو وهم؛ منشؤه توهم أن معنى: «وأنا أول المسلمين»: أني أول شخص اتصف بذلك بعد أن كان الناس بمعزل عنه. وليس كذلك؛ بل معناه: بيان المسارعة في الامتثال لما أمر به، ونظيره: {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ العَابِدِينَ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>