وبذلك يتبين أن حديث أنس حجة في كونه - صلى الله عليه وسلم - كان يسر بالبسملة، وكذلك أصحابه الثلاثة، ومثله حديث عبد الله بن مغفل. وقد قال الترمذي:«والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ منهم: أبو بكر وعمر وعثمان، وغيرهم، ومن بعدهم من التابعين، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق؛ لا يرون أن يجهر بـ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}؛ قالوا: ويقولها في نفسه».
قلت: وهو مذهب أبي حنيفة، وصاحبيه - كما حكاه الطحاوي وغيره -، ونص عليه الإمام محمد في «الآثار»«١٥ - ١٦»، وبه قال أكثر أصحاب الحديث - كما قال الحازمي «٥٦» -، وخالفهم الإمام الشافعي، وأصحابه، وبعض من سبقه من الصحابة، والتابعين؛ فقالوا بالجهر بها، وأنه السنة.
وقد أطال النووي رحمه الله في «المجموع»«٣/ ٣٣٤ - ٣٥٦» في الاستدلال لذلك بأحاديث كثيرة ساقها! والناظر فيها بإنصاف؛ لا يخرج منها بحديث واحد صحيح صريح يدل على ما ذهبوا إليه. [ثم أورد الإمام الأحاديث التي استدل بها من قال بالجهر ثم قال]: قلت: فهذه الأحاديث الثلاثة؛ هي أصح ما ورد في الجهر بالبسملة وأصرحها، وقد ظهر لك أنها ضعيفة كلها، إلا حديث أنس في بعض طرقه، لكن ليس فيه أنه كان يجهر بها في الصلاة؛ ولذلك قال ابن القيم في «الزاد»«١/ ٧٣»: «وكان - صلى الله عليه وسلم - يجهر بـ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} تارة، ويخفيها أكثر مما يجهر بها، ولا ريب أنه لم يكن يجهر بها دائماً في كل يوم وليلة؛ خمس مرات أبداً، حضراً وسفراً، ويخفى ذلك على خلفائه الراشدين، وعلى جمهور أصحابه، وأهل بلده في الأعصار الفاضلة؛ هذا من أمحل المحال حتى يحتاج إلى التشبُّث فيه بألفاظ مجملة، وأحاديث واهية؛ فصحيح تلك الأحاديث غير صريح، وصريحها غير صحيح».
قلت: وآخر كلامه يناقض أوله؛ لأنه إذا كان يرى - وهو الحق - أنه لا يصح حديث صريح في الجهر بها؛ فكيف يجزم بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر بها تارة؟ ! وقد كان