- صلى الله عليه وسلم - أنه قال:«إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم؛ فليُرِقْه، ثم ليغسله سبع مرات».
أخرجه مسلم، والنسائي، وغيرهما.
وممن روى هذا الحديث أبو هريرة، ثم ثبت عنه أنه كان يفتي بالغسل من ولوغه ثلاثاً، فلم يأخذ به الجمهور؛ لأنه مخالف لقواعدهم، ولذلك تعقب ابن التركماني البيهقي هنا بقوله:«مذهب الشافعي والمحدثين: أن الراوي إذا روى حديثاً ثم خالف؛ كان العبرة لما روى، لا لما رأى، ولا يكون رأيه جرحاً في الحديث؛ فكيف تكون فتوى أبي هريرة دليلاً على ضعف حديثه المرفوع؟ ! ». انتهى.
وهذا اعتراض قوي لا جواب لهم عليه، كما أنه اعتراض قوي على الحنفية الذين خالفوا الجمهور في هذه القاعدة؛ فقالوا:«العبرة برأي الراوي لا بمرويه». فيلزم على ذلك أن يَدَعوا الاحتجاج بالحديث؛ لإفتاء أبي هريرة بخلافه - كما ذكرنا -، ويأخذوا به.
وأما الجواب عن ذلك - كما صنع أبو الحسنات «١٢٥» - بأن يحمل قول أبي هريرة: اقرأ بها في نفسك. على السرية، فحينئذٍ لا تعارض بين رأيه ومرويه، ولا إلزام به: فليس بشيء؛ لأنه ثبت في «جزء البخاري»«٨»، و «سنن البيهقي»«٢/ ١٦٦» أن السائل سأله عن الصلاة الجهرية بلفظ: قال عبد الرحمن أبو العلاء: قلت: يا أبا هريرة! كيف أصنع إذا كنت مع الإمام، وقد جهر بالقراءة؟ فأجابه بما تقدم.
وأما حمله على سكتات الإمام؛ فشيء لا يخطر على بال أبي هريرة، إذ ليس في السنة سكتات تتسع لقراءة «الفَاتِحَة». ويأتي بيان ذلك قريباً إن شاء الله.
وبالجملة؛ فإن هذا الحديث قد أظهر اضطراب العلماء أحياناً في قواعدهم وفي فروعهم؛ تأييداً لمذاهبهم؛ فالحنفية أخذوا بالحديث، وليس على قواعدهم؛ فكان عليهم إما: أن يردوه - كما ردوا حديث الولوغ وغيره -، أو: أن يُعَدِّلوا هذه القاعدة لما هو الحق.