القراءة، والأمة متفقة على أن استماعه لما زاد على «الفَاتِحَة» أفضل من قراءة ما زاد عليها. فلو كانت القراءة لما يقرؤه الإمام أفضل من الاستماع لقراءته؛ لكان قراءة المأموم أفضل من قراءته لما زاد على «الفَاتِحَة».
وهذا لم يقله أحد، وإنما نازع من نازع في «الفَاتِحَة»؛ لظنه أنها واجبة على المأموم، أو مستحبة.
وجوابه؛ أن المصلحة الحاصلة له بالقراءة يحصل بالاستماع ما هو أفضل منها؛ بدليل استماعه لما زاد على «الفَاتِحَة»، فلولا أنه يحصل له بالاستماع ما هو أفضل من القراءة؛ لكان الأولى أن يفعل أفضل الأمرين وهو: القراءة. فلما دلَّ الكتاب والسنة، والإجماع على أن الاستماع أفضل من القراءة؛ [دل] على أن المستمع يحصل له أفضل مما يحصل للقارئ، وهذا المعنى موجود في «الفَاتِحَة» وغيرها، وحينئذٍ فلا يجوز أن يؤمر بالأدنى، ويُنهى عن الأعلى، وثبت أنه في هذه الحال قراءة الإمام له قراءة؛ كما قال ذلك جماهير السلف والخلف من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، وفي ذلك الحديث المعروف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:«من كان له إمام؛ فقراءة الإمام له قراءة».
وهذا الحديث روي مرسلاً ومسنداً، ولكن أكثر الأئمة الثقات رووه مرسلاً عن عبد الله بن شداد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأسنده بعضهم، ورواه ابن ماجه مسنداً، وهذا المرسل قد عضده ظاهر القرآن والسنة، وقال به جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين، ومرسِله من أكابر التابعين، ومثل هذا المرسل يحتج به باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم.
وقد نص الشافعي على جواز الاحتجاج بمثل هذا المرسل.
فتبين أن الاستماع إلى قراءة الإمام أمر دل عليه القرآن دلالة قاطعة، ولأن هذا من الأمور الظاهرة التي تحتاج إليها الأمة؛ فكان بيانها في القرآن بما يحصل به المقصود، وجاءت السنة بموافقة القرآن.
ثم ذكر هذا الحديث الذي نتكلم عليه، وقواه، ورد على البيهقي تضعيفه إياه بنحو ما ذكرنا آنفاً، ثم ساق أيضاً الحديث الآتي بعده - وسنعلق كلامه عليه هناك