للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال شيخ الإسلام: ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كان يسكت سكتةً تتسع لقراءة «الفَاتِحَة»؛ لكان هذا مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، فلما لم ينقل هذا أحد؛ عُلم أنه لم يكن، وأيضاً فلو كان الصحابة كلهم يقرؤون «الفَاتِحَة» خلفه؛ إما في السكتة الأولى، وإما في الثانية؛ لكان هذا مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله؛ فكيف ولم ينقل أحد عن أحد من الصحابة أنهم كانوا في السكتة الثانية يقرؤون «الفَاتِحَة»؟ ! مع أن ذلك لو كان مشروعاً؛ لكان الصحابة أحق الناس بعلمه وعمله؛ فعُلم أنه بدعة.

وأيضاً؛ فالمقصود بالجهر: استماع المأمومين؛ ولهذا يؤمِّنون على قراءة الإمام في الجهر دون السر، فإذا كانوا مشغولين عنه بالقراءة، فقد أُمِرَ أن يقرأ على قوم لا يستمعون لقراءته، وهو بمنزلة من يحدث من لا يستمع لحديثه، ويخطُب من لا يستمع لخطبته! وهذا سَفَهٌ تتنزه عنه الشريعة؛ ولهذا رُوي في الحديث: «مثل الذي يتكلم، والإمام يخطب؛ كمثل الحمار يحمل أسفاراً». فهكذا إذا كان يقرأ والإمام يقرأ عليه». اهـ كلام شيخ الإسلام باختصار.

وهو مما يدل على علو كعبه في علم المنقول والمعقول رحمه الله.

واعلم أنه قد اشتهر بين علمائنا الاحتجاج بالآية السابقة الذكر على النهي عن ترك القراءة وراء الإمام حتى في السرية؛ قال ابن الهُمَام في «الفتح» «١/ ٢٤١»: «وحصل الاستدلال بالآية أن المطلوب أمران: الاستماع، والسكوت. فيعمل بكل منهما، والأول: يخص الجهرية، والثاني: لا؛ فيجري على إطلاقه، فيجب السكوت

عند القراءة مطلقاً».

وقد تعقبه أبو الحسنات اللكنوي بقوله «١٠٤»: وفيه نظر؛ وهو أن الأمر باستماع القرآن والسكوت ليس أمراً تعبدياً غير معلل - كما هو ظاهر -، بل هو حكم معلل بإجماع القائسين والمعللين؛ كوجوب السكوت عند الخطبة، والقراءة خارج الصلاة، ونحو ذلك، ولا تظهر له علة - ولو بعد التأمل -؛ إلا كون القرآن منزلاً للتدبر والتأمل، وهو لا يحصل بدون الاستماع والإنصات. ومن المعلوم أن

<<  <  ج: ص:  >  >>