وهذان الاحتمالان بعيدان جداً عن لفظ الحديث؛ لا سيما اللفظ الثاني، والمعنى الثاني لم يذهب إلى العمل به أحد من العلماء فيما علمت.
والمعنى الأول هو أقرب ما يكون إلى ظاهر الحديث؛ لكن الرواة لم يفهموا منه ذلك - كما سبق في تخريجه -؛ فإن أبا العالية - أحد رواته - كان يجمع بين عشرين سورة في ركعة قبل أن يبلغه الحديث، فلما بلغه؛ ترك ذلك. وكذلك لما بَلَّغه ابن سيرين؛ استغرب ذلك، وعارضه بأن ابن عمر كان يجمع بين السور؛ فأراد أن يتحقق من الحديث. فقد اتفق أبو العالية وابن سيرين [على] أن معنى الحديث: أنه ينبغي الاقتصار على سورة في كل ركعة.
وأقرب الألفاظ دلالة لهذا المعنى هو اللفظ الثاني:
«لكل سورة ركعة». ولذلك أورده الطحاوي في «باب جمع السور في ركعة»، ثم قال:«وقد ذهب إلى هذا قوم، فقالوا: لا ينبغي للرجل أن يزيد في كل ركعة من صلاته على سورة مع «فاتحة الكتاب». واحتجوا في ذلك بهذا الحديث». اهـ.
ويحتمل أن معنى الحديث: لكل سورة ركعة؛ أي: سورة كاملة في كل ركعة؛ أي: فلا يقتصر على بعضها؛ بل عليه أن يُتِمَّها؛ ليكون حظ الركعة بها كاملاً.
وقد أشار إلى هذا المعنى وإلى الذي قبله ابنُ نصر؛ حيث بوب للحديث بقوله:«باب كراهة تقطيع السور، والجمع بين السور في ركعة»، ثم ساق هذا الحديث بألفاظه الثلاثة.
وبالجملة؛ فالحديث لا يحتمل إلا هذين المعنيين. وأنا إلى المعنى الثاني (١) أَمْيَلُ منه إلى الأول، وإن ذهب إليه من علمت؛ لأن أقواله - صلى الله عليه وسلم - لا يمكن فهمها فهماً صحيحاً، إلا ضمن أقواله الأخرى وأفعاله، وقد ذكرنا في الأصل أن الغالب من
(١) وبهذا جزم الشيخ رحمه الله - أخيراً - كما في "الصفة" المطبوعة؛ فقال: "ومعنى الحديث عندي: اجعلوا لكل ركعة سورة كاملة؛ حتى يكون حظ الركعة بها كاملاً! والأمر للندب؛ بدليل ما يأتي عقبه". [من الناشر].