رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطيلها، أو بأكثر من التي حدَّدها؛ وذلك خشية أن يفتنهم عن دينهم، ويُنَفّرهم عن صلاة الجماعة.
وقد جاء في الأمر بالتخفيف أحاديث كثيرة في «الصحيحين» وغيرهما، وفيها تعليل ذلك بأن في الجماعة السقيمَ، والضعيف، والكبير، وذا الحاجة.
والذي يهمُّنا في هذا الصدد، وينبغي أن نشرح القول فيه هو النظر فيما لو كان بعض هؤلاء المذكورين هَوَاهُم القراءة بأقصر سورة في أطول صلاة - كالصبح مثلاً، وما قاربها -؛ فهل على الإمام الاقتداءُ بهم أو بأضعفهم - كما جاء في بعض الأحاديث -، ولو كان في ذلك مخالفةٌ لعادته - صلى الله عليه وسلم - من إطالة القراءة فيها؟ فالذي يظهر: أنه ليس له ذلك، وأن الأحاديث المشار إليها لا تشمل هذا التخفيف؛ لأنه يؤدي إلى تعطيل السنن النبوية، إذ التخفيف من الأمور الإضافية؛ فقد يكون الشيء خفيفاً بالنسبة إلى عادة قوم، طويلاً بالنسبة لعادة آخرين -كما قال ابن دقيق العيد-.
ويختلف ذلك - أيضاً - بالنسبة لنشاط بعضهم في التمسك بالسنة ومتابعته - صلى الله عليه وسلم -، وضعف هِمَم الآخرين في ذلك، وقوة بعضهم على القيام، وضعف بعضهم عنه، إلى غير ذلك من الفوارق؛ ولذلك كان لا بد من وضع حَدٍّ للتخفيف المأمور به؛ وهو ما قد أشرت إليه في صدد هذا الكلام: من الاقتصار على هديه - صلى الله عليه وسلم - في القراءة، فمن فعل ذلك؛ فقد خفف، ومن زاد على ذلك؛ فقد أطال، وخالف أمرَ الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
ولذلك لما شكا ذلك الرجل معاذاً إليه - صلى الله عليه وسلم -؛ أمره أن يقرأ بمثل ما كان - صلى الله عليه وسلم - يقرأ، فلم يأمره بأقل من ذلك. وقد استفدنا هذا البحث من كلام ابن القيم رحمه الله، وجزاه عن السنة خير الجزاء؛ حيث قال في صدد الرَّدِّ على النَّقَّارِيْن للصلاة؛ المخففين لها تخفيفاً مخالفاً لسنته - صلى الله عليه وسلم - «١/ ٧٦»: وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أيكم أمَّ؛ فليخفف»«أخرجه الستة»، وقول أنس رضي الله عنه: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخف الناس صلاة في تمام «أخرجاه». فالتخفيف أمر نسبي يرجع إلى ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - وواظب عليه، لا إلى شهوة المأمومين؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يأمرهم بأمر ثم يخالفه، وقد