قلت: وهذا من تناقض ابن حبان، فإنه من جهة يعله بالإرسال ويبين أنه لا يصح موصولا عن جابر بن سمرة، ومن جهة أخرى يورد الموصول في «صحيحه»! وعلة الحديث سعيد بن سماك، فقد قال ابن أبي حاتم «٢/ ١ /٣٢» عن أبيه: «متروك الحديث»، وتوثيق ابن حبان إياه من تساهله الذي عرف به عند المحققين، وقد يغتر به كثير ممن لا تحقيق عندهم، فيصححون أحاديث كثيرة تقليدا له، من ذلك هذا الحديث، فقد جاء في «البجيرمي»«٢/ ٦٤»: «ويستحب أيضا قراءة «الجمعة» و «المنافقين» في صلاة عشاء ليلة الجمعة، كما ورد عند ابن حبان بسند صحيح وقد كان السبكي يفعله، فأنكر عليه بأنه ليس في كلام الرافعي. فرد على المنكر بما مر. أي من الورود وكم من مسائل لم يذكرها الرافعي: فعدم ذكره لها لا يستلزم عدم سنيتها». قلت: وهذا الجواب من الوجهة الفقهية صحيح، يدل على تحرر السبكي من الجمود المذهبي، ولكن الحديث ضعيف غير محفوظ بشهادة ابن حبان نفسه، فلا يثبت به الاستحباب فضلا عن السنية، بل إن التزام ذلك من البدع، وهو ما يفعله كثير من أئمة المساجد في دمشق وغيرها من البلدان السورية، ولكنهم جمعوا بين البدعة وإرضاء الناس، فقد تركوا قراءة «المنافقون» أصلا والتزموا قراءة الشطر الثاني من «الجمعة» في الركعتين تخفيفا عن الناس زعموا! وكنت منذ القديم استنكر منهم هذا الالتزام، ولا أعرف مستندهم في ذلك، حتى رأيت كلام البجيرمي هذا، المستند على هذا الحديث، الذي كنت استغربه لعدم وروده في الأمهات الستة وغيرها ولكن ذلك لا يكفي للإنكار، حتى وقفت على إسناده في «موارد الظمآن» ومنه نقلت، فتبين لي ضعفه بل وتضعيف ابن حبان نفسه له في كتابه الآخر، فالحمد لله على توفيقه.
ثم إن مما يدل على ضعف الحديث أن الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ بالسورتين الأوليين في سنة المغرب، وليس في فرضه، جاء ذلك عنه - صلى الله عليه وسلم - من طرق، وقد خرجته في «صفة الصلاة»«ص ١١٥ - السابعة».