هذا، وفي القراءة على الجنائز بـ:«فاتحة الكتاب» أحاديث كثيرة سوى هذا الحديث، وقد ساقها في «التعليق» على «نصب الراية»«٢/ ٢٧٠»، وهي عن سبعة من الصحابة رضي الله عنهم، وذكر بعضها الشوكاني في «النيل»«٤/ ٥٢»، وأسانيدها لا تخلو من ضعف، لكن بعضها يقوي بعضاً. ومنه نعلم أن قول ابن الهمام «١/ ٤٥٩»: «ولم تثبت القراءة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -». ليس بصواب. ويأتي ما يخالفه من بعض علمائنا، وهي تدل على أن السنة قراءة «الفَاتِحَة» في الجنازة.
قال الترمذي:«والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم؛ يختارون أن يقرأ بـ: «فاتحة الكتاب» بعد التكبيرة الأولى، وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال بعض أهل العلم: لا يقرأ في الصلاة على الجنازة؛ إنما هو الثناء على الله، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - والدعاء للميت، وهو قول الثوري وغيره من أهل الكوفة».
قلت: وهو مذهب علمائنا، قال الإمام محمد في «الموطأ»«١٦٥»: «لا قراءة على الجنازة، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله».
قال أبو الحسنات: يحتمل أن يكون نفياً للمشروعية المطلقة؛ فيكون إشارة إلى الكراهة. وبه صرح كثير من أصحابنا المتأخرين؛ حيث قالوا: يكره قراءة «الفَاتِحَة» في صلاة الجنازة.
وقالوا: لو قرأ بنية الدعاء؛ لا بأس به. ويحتمل أن يكون نفياً للزومه، فلا يكون فيه نفي الجواز.
وإليه مال حسن الشُّرُنْبُلالي من متأخري أصحابنا؛ حيث صنف رسالة سمّاها:«النظم المستطاب لحكم القراءة في صلاة الجنازة بـ: «أم الكتاب»». ردَّ فيها على من ذكر الكراهة بدلائل شافية. وهذا هو الأولى؛ لثبوت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه.