وبالجملة؛ فهذا المذهب الذي ذهب إليه أبو بكر الرازي الحنفي، وأبو بكر القفال - خلافاً للمشهور من مذهبهما - هو الصواب، وهو مذهب مالك وأحمد؛ وذلك لأمرين: الأول: أن القول بخلافه بدعة في الدين؛ لم يقل به أحد من السلف الصالح رضي الله عنهم -كما سبق-. وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه:«اتبعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كُفيتم، عليكم بالأمر العتيق». فالأمر العتيق هو هذا.
الثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «يصلون بكم، فإن أصابوا؛ فلكم ولهم، وإن أخطؤوا؛ فلكم وعليهم».
أخرجه البخاري «٢/ ١٤٩»، وأحمد «٢/ ٣٥٥» واللفظ له.
قال ابن المنذر:«هذا الحديث يرد على من زعم أن صلاة الإمام إذا فسدت؛ فسدت صلاة من خلفه». كذا في «الفتح»«٢/ ١٤٩».
وقال شيخ الإسلام في «الفتاوى»«٢/ ٣٨١»: «فقد بين - صلى الله عليه وسلم - أن خطأ الإمام لا يتعدى إلى المأموم، ولأن المأموم يعتقد أن ما فعله الإمام سائغ له، وأن لا إثم عليه فيما فعل؛ فإنه مجتهد، أو مقلد مجتهد، وهو يعلم أن هذا قد غفر الله له خطأه؛ فهو يعتقد صحة صلاته، وأنه لا يأثم إذا لم يُعِدْها، بل لو حكم بمثل هذا؛ لم يجُزْ له نقض حكمه؛ بل كان ينفذه.
وإذا كان الإمام قد فعل باجتهاده - و {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} -، والمأموم قد فعل ما وجب عليه؛ كانت صلاة كل منهما صحيحة، وكان كل منهما قد أدى ما يجب عليه، وقد حصلت موافقة الإمام في الأفعال الظاهرة.
وقول القائل: إن المأموم يعتقد بطلان صلاة الإمام. خطأ منه؛ فإن المأموم يعتقد أن الإمام فعل ما وجب عليه، وأن الله قد غفر له ما أخطأ فيه، وأنه لا تبطل صلاته لأجل ذلك، ولو أخطأ الإمام والمأموم فسلم الإمام خطأً، واعتقد المأموم جواز متابعته، فسلَّم - كما سلَم المسلمون خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا سلم من اثنتين