قال الترمذي:«وهو قول أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، والتابعين، ومن بعدهم؛ كرهوا القراءة في الركوع والسجود».
قلت: وممن صرح بكراهة ذلك الإمام محمد؛ قال:«وهو قول أبي حنيفة رحمه الله. اهـ. الظاهر أنه لا فرق عندهم بين الفريضة والتطوع؛ لعموم الحديث، وخالف في ذلك عطاء؛ فقال: لا أكره أن تقرأ راكعاً أو ساجداً في التطوع.
وقال ابن جُريج: أخبرني عطاء: أنه سمع عُبيد بن عُمير يقرأ وهو راكع في التطوع وساجداً». اهـ. من «قيام الليل»«٧٧».
ولعل مستنده في ذلك ما تقدم في «القراءة في صلاة الليل»[ص ٥٣٤]؛ أنه - صلى الله عليه وسلم - قام ليلة بآية؛ يرددها حتى الصباح، بها يركع، وبها يسجد. وذكرنا وجه الجمع بينه وبين هذا الحديث هناك. فراجعه.
هذا، وقال الخطابي في «المعالم»«١/ ٢١٤»: «قلت: نَهْيُهُ عن القراءة راكعاً أو ساجداً يشد قول إسحاق ومذهبه في إيجاب الذكر في الركوع والسجود، وذلك أنه إنما أُخليَ موضعُهُما من القراءة؛ ليكون محلاً للذكر والدعاء».
قال الشوكاني في «النيل»«٢/ ٢٠٩»: «وهذا النهي يدل على تحريم قراءة القرآن في الركوع والسجود. وفي بطلان الصلاة بالقراءة حال الركوع والسجود خلاف».
وقوله في الحديث «فعظموا» أي: سبِّحوه ونَزِّهُوه ومَجِّدوه. وقد بَيَّن - صلى الله عليه وسلم - اللفظ الذي يقع به هذا التعظيم بالأحاديث المتقدمة في هذا الفصل.
واعلم أن التسبيح في الركوع والسجود سنة غير واجب؛ هذا مذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعي رحمهم الله، والجمهور. وأوجبه أحمد رحمه الله، وطائفة من أئمة الحديث؛ لظاهر الحديث في الأمر به، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «صلوا كما رأيتموني أصلي». وهو في «صحيح البخاري».
وأجاب الجمهور بأنه محمول على الاستحباب، واحتجوا بحديث «المسيء صلاته»؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمره به، ولو وجب؛ لأمره به. كذا في «شرح مسلم»