وهنا لا بد من أن نذكركم بأسلوب في فهم اللغة العربية: يقول العلماء: السياق والسباق من المقيدات، سباق الكلام وسياقه يقيد العموم الذي يتبادر من فصل من فصول هذا الكلام، فأنت لما تقرأ كلام ابن حزم: في كل قيام، ممكن أن تفهم منه في كل قيام، أي: ولو في القيام الثاني في الركعة الواحدة، لكن إذا تابعت كلامه حيث يعزو ذلك لأبي حنيفة والشافعي وهؤلاء لا يقولون بهذا القيام الثاني، فإذًا: كان سياق كلام ابن حزم دليلًا على أنه لم يعن هذا العموم الذي أنت تفهمه، ولولا ما يقال اليوم من شرعية القيام بعد رفع الرأس من الركوع لما ذهب وهلك أنت ولا غيرك إلى أن تفسر كلام ابن حزم بأنه أدخل فيها الوضع في القيام بعد الركوع، وإلا سياق الكلام كما قلنا صريح في عزوه إلى الأئمة، ولا أحد من الأئمة يقول بهذا الوضع إطلاقًا.
وختامًا: أنا أريد أن ألفت النظر إلى شيء هام جدًا، وفي اعتقادي أنه لو تنبه له لساعدنا على فهم بعض هذه المسائل التي يختلف فيها العلماء اليوم: كل نص عام يتضمن أجزاء كثيرة لم يثبت العمل بجزء من ذاك النص العام من السلف الصالح، فالعمل بهذا الجزء غير مشروع، هذا كلام أصولي، ولعله مفهوم ولكن المثال يوضح كما قال تعالى:{وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الحشر: ٢١].
قبل المثال أريد أن أذكر شيئًا بين يديه: الغفلة عن هذه القاعدة الهامة هو السبب الأول في كثرة انتشار البدع بين المسلمين قديمًا وحديثًا، ونحن أهل السنة الحريصين على التمسك بالسنة دون زيادات وإضافات باسم البدعة الحسنة مثلًا نحارب تلك البدع مع أنها كلها أو على الأقل جلها لها أدلة من مثل هذه الأدلة العامة التي يستدل بعمومها على جزء من أجزاء الدليل العام مع أن العمل لم يجر في هذا الجزء من السلف، كذلك نحن ننكر على المبتدعة إحداثهم بدع كثيرة بحجة أنه - وهي حجة صادقة وصحيحة - لو كان خيرًا لسبقونا إليه، كل البدع نحن نضربها بهذه الجملة وهي له أصولها وقواعدها بلا شك: لو كان خيرًا لسبقونا إليه، لكننا لو تأملنا في هذه البدع التي ننكرها على المبتدعة لوجدنا لها أدلة عامة كثيرة وكثيرة جدًا، ليس فقط في السنة بل وفي القرآن الكريم، يعني مثلًا: خذ ما هو عندنا في عمان وفي الشام