أصحابنا في احتجاجهم بهذا الحديث لوجوب كشف الجبهة، وقال: هذا ورد في الإبراد! وهذا الاعتراض ضعيف؛ لأنهم شكوا حر الرمضاء في جباههم وأكفهم، ولو كان الكشف غير واجب لقيل لهم: استروها، فلما لم يقل ذلك؛ دل على أنه لا بد من كشفها»! ! فأقول: هذا التضعيف هو الضعيف، بل هو باطل، وبيانه من وجوه: الأول: أنه مبني على ثبوت ذكر الجبهة في الحديث؛ وهو غير ثابت؛ كما عرفته من التحقيق السابق، فسقط الاستدلال به من أصله. الثاني: أن الحديث لو كان الاستدلال به على ما ذكروا؛ للزمهم القول بوجوب السجود على الكفين دون حائل أيضاً؛ لأنهما قد ذكرا فيه مع الجبهة كما سبق!
وهم لا يقولون بذلك، على ما هو الصحيح عندهم، وهو المنصوص في عامة كتب الشافعي كما قال النووي «٣/ ٤٠٤». فثبت أن الحديث لا يدل على الوجوب المزعوم، وهذا على فرض ثبوته، فكيف وهو غير ثابت؟ ! الثالث: أنه ثبت عن أنس أنه قال: كنا إذا صلينا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر مكان السجود. أخرجه الشيخان، والبيهقي «٢/ ١٠٦» -واللفظ له-.
وأما حمل الشافعية هذا الحديث على الثوب المنفصل عن المصلي - كما فعل البيهقي والنووي -؛ فهو ضعيف مخالف لظاهر قوله: طرف الثوب! لأن المتبادر منه أنه الثوب المتصل به؛ لا سيما وهم في المسجد وليس فيه قرش، مع أن الغالب من حالهم قلة الثياب، وأنه ليس لأحدهم إلا ثوبه المتصل به. الرابع: قال الحسن البصري: كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يسجدون وأيديهم في ثيابهم، ويسجد الرجل منهم على عمامته. أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف»«١/ ٢٦٦»، والبيهقي «٢/ ١٠٦». قلت: وهذا إسناد صحيح. وقول البيهقي:«يحتمل أن يكون أراد: يسجد الرجل منهم على عمامته وجبهته»! !
رده ابن التركماني بقوله:«قلت: هذه الزيادة من غير دليل: إذ لا ذكر للجبهة». وجملة القول؛ أنه لا دليل على عدم جواز السجود على حائل متصل؛ لا سيما والأدلة كثيرة جداً على جواز السجود على حائل منفصل، كالبساط والحصير ونحو ذلك؛ مما يفصل بين الجبهة والأرض، والتفرقة بين الحائل المتصل والحائل المنفصل من