تنبيه: استدل المؤلف رحمه الله تعالى بالحديث على أن السنة في الجلوس بين السجدتين الافتراش, وحديث أبى حميد أصرح في الدلالة على ذلك ولفظه بعد أن ذكر السجدة الأولى:
«ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها, ثم اعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه معتدلا». الحديث وقد تقدم تخريجه ولفظه برقم «٣٠٥». ومما ينبغي أن يعلم أن هناك سنة أخرى في هذا الموطن وهى سنة الإقعاء, وهو أن ينتصب على عقبيه وصدور قدميه فقد صح عن طاوس أنه قال: «قلنا لابن عباس في الإِقعاء على القدمين في السجود, فقال: هي السنة, فقلنا له: إنا لنراه جفاء بالرجل, فقال ابن عباس: بل هي سنة نبيك - صلى الله عليه وسلم -». أخرجه مسلم «٢/ ٧٠» وأبو داود «٨٤٥» والترمذى «٢/ ٧٣» والحاكم «١/ ٢٧٢» والبيهقى «٢/ ١١٩» وأحمد «١/ ٣١٣» وقال الترمذى: «حديث حسن صحيح» , وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قلت: رواه ابن أبى شيبة «١/ ١١٢/١» عن جماعة من الصحابة وغيرهم, ورواه أبو إسحاق الحربى في «غريب الحديث» «٥/ ١٢/١» والبيهقى عن العبادلة الثلاثة عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير. وإسناده صحيح.
وبالجملة فالإقعاء بين السجدتين سنة كالافتراش, فينبغي الإتيان بهما, تارة بهذه, وتارة بهذه, كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل. وأما أحاديث النهى عن الإقعاء فلا يجوز التمسك بها لمعارضة هذه السنة لأمور:
الأول: أنها كلها ضعيفة معلولة.
الثانى: أنها إن صحت أو صح ما اجتمعت عليه فإنها تنص على النهى عن إقعاء كإقعاء الكلب, وهو شيء آخر غير الإقعاء المسنون. كما بيناه في «تخريج صفة الصلاة».
الثالث: أنها تحمل على الإقعاء في المكان الذى لم يشرع فيه هذا الإقعاء المسنون, كالتشهد الأول والثاني, وهذا مما يفعله بعض الجهال فهذا منهى عنه قطعا