للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما ما روى سعيد بن منصور من طريق أبي عُبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علّمهم التشهد ... فذكره.

قال: فقال ابن عباس: إنما كنا نقول: السلام عليك أيها النبي! إذ كان حياً. فقال ابن مسعود: هكذا عُلِّمْنا، وهكذا نُعَلِّم.

فظاهرٌ أن ابن عباس قاله بحثاً، وأن ابن مسعود لم يرجع إليه، لكن رواية أبي معمر أصح «يعني: رواية البخاري» لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، والأسناد إليه - مع ذلك - ضعيف».

وقد نقل كلامَ الحافظ هذا جماعةٌ من العلماء المحققين؛ أمثال: القسطلاني في شرحه على البخاري، والزرقاني في «المواهب اللَّدُنِّية» وفي شرحه على «الموطأ»، وعبد الحي اللكنوي في «التعليق الممجد»، وارتضوه؛ حيث إنهم أقروه «ولم يتعقّبوه بشيء».

هذا؛ والظاهر أن الصحابة رضي الله عنهم لم يصيروا إلى القول: «السلام على النبي» - بلفظ الغَيْبَةِ - إلا بتوقيف من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ لا مجال للاجتهاد أو القياس في مثل هذا المقام؛ بل هو عين الابتداع في الدين، وحاشا الصحابة من ذلك، لا سيما ابن مسعود رضي الله عنه، الذي اشتهر من بينهم بشدة محاربته للبدع - مهما كان نوعها -، وقصته في إنكاره على الذين كانوا يذكرون الله مجتمعين، ويعدون التسبيح والتحميد بالحصى أشهر من أن تذكر، وهو القائل رضي الله عنه: اتبعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كُفِيْتُم، عليكم بالأمر العتيق.

ولذا كان يأخذ على أصحابه الواو في التشهد. كما رواه الطحاوي «١/ ١٥٧»، والبزار في «مسنده» بإسناد صحيح.

فمن كان هذا شأنه من التحري في الاتباع؛ كيف يعقل أن يتصرف فيما عَلَّمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياه من التشهد بدون إذن منه؟ ! هذا غير معقول.

أضف إلى ذلك أنه ليس منفرداً بذلك عن الصحابة؛ بل قد نقل هو نفسه -

<<  <  ج: ص:  >  >>