للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في دعوى الوجوب».

وخير من هذا الجواب وأقوى قولُ ابن القيم في «الجلاء» «٢٣٧»: «إنَّ هذا كان غير عالم بوجوبها، معتقداً أنها غير واجبة؛ فلم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإعادة، وأَمَرَه في المستقبل أن يقولها. فأَمْرُه بقولها في المستقبل دليل على وجوبها.

وتَرْكُ أمرِه بالإعادةِ دليلٌ على أنه يعذر الجاهل بعدم الوجوب، وهذا كما لم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - «المسيء» في الصلاة بإعادة ما مضى من الصلوات - وقد أخبر أنه لا يحسن غير تلك الصلاة - عذراً له بالجهل.

فإن قيل: فلِمَ أمره أن يعيد تلك الصلاة، ولم يعذره بالجهل؟ قلنا: لأن الوقت باق، وقد علم أركان الصلاة؛ فوجب عليه أن يأتي بها.

فإن قيل: فهلا أمر تارك الصلاة عليه بإعادة تلك الصلاة، كما أمر «المسيء»؟ قلنا: أمرُه - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة عليه فيها مُحْكَمٌ ظاهر في الوجوب.

ويحتمل أن الرجل لما سمع ذلك الأمر من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ بادر إلى الإعادة من غير أن يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم -.

ويحتمل أن تكون الصلاة نفلاً؛ لا تجب عليه إعادتها.

ويحتمل غير ذلك؛ فلا يترك الظاهر من الأمر - وهو دليل محكم - لهذا المشتبه المحتمل. والله سبحانه وتعالى أعلم».

ومما يدلك على قوة هذا الجواب أنه ثبت في «صحيح مسلم» «٢/ ٧٠» وغيره عن معاوية بن الحكم السلمي: أنه تكلم في الصلاة فقال: واثُكل أمِّياه! ما شأنكم تنظرون إليَّ ... الحديث.

فلم يأمره - صلى الله عليه وسلم - بالإعادة، ولكن علمه تحريم الكلام فيما يستقبل بقوله: «إن

هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس؛ إنما هو التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن».

أفيدل عدم أمره - صلى الله عليه وسلم - له بالإعادة على أن الكلام في الصلاة جائز؟ ! كلا، ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>