السنة، بالنسبة للمساجد الأخرى التي تبنى في هذا الزمان، وتنفق في سبيل تشييدها وزخرفتها الأموال الطائلة في زعم أنهم يُعَظِّمون شعائر الله، والأمر ليس كذلك؛ لأن تعظيم شعائر الله عز وجل ليس ببنيان المساجد مشيدة مزخرفة، زخارف تلهي المصلين عن الإقبال في صلاتهم على رب العالمين.
لقد جاء في صحيح البخاري وصحيح مسلم من حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: لما رَجَعت أُمُّ سلمة وأم حبيبة من الحبشة ذكرتا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنيسة رأتاها في الحبشة، وذكرتا من حسنها وتصاوير فيها، فقال عليه الصلاة والسلام:«أولئك كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا عليه مسجداً وصَوّروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله -تبارك وتعالى-».
أولئك أي: النصارى، كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وزادوا إثماً على إثم أن صَوَّروا تلك التصاوير، المقصود هنا بالتصاوير: هي النقوش والزخارف.
ولذلك جاء في الحديث الآخر في سنن أبي داود وغيره: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«ما أُمِرت بتشييد المساجد»، تشييد المساجد أي: رفع بنيانها فوق الحاجة التي يحتاجها المصلون فيها.
هذا الحديث رواه أبو داود من حديث ابن عباس مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كما سمعتم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما أُمِرت بتشييد المساجد»، قال ابن عباس بعد أن روى هذا الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم -: «لَتُزَخْرِفُنَّها كما زخرفت اليهود والنصارى».
هذا القول الصادر من ابن عباس في ظاهره في ظاهر إسناده موقوف عليه، هو من كلامه، ويمكن أن يقال فيه في التعبير العلمي الحديثي: إنه موقوف في حكم المرفوع، وإما أن يقال، -وهذا لا بد منه- إن لم يُقَل الأول: إنه فهمه من مجموع الأحاديث الواردة في هذا الصدد، من ذلك حديث عائشة حينما تحدث النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أولئك كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح، بنوا على قبره مسجداً، وصَوَّروا